التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من كره أن يقال للمغرب العشاء

          ░19▒ باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلْمَغْرِبِ: العِشَاءُ.
          563- ذكر فيه حديث الحُسين _يعني: المعلِّم_ عن عبد الله بن بُرَيدةَ عن عبد الله المُزَنيِّ: أَنَّ رَسُولُ الله صلعم قَالَ: (لاَ تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرابُ عَلَى اسْمِ صَلاَتِكُمُ المَغْرِب). قَالَ: وَتَقُولُ الأَعْرَابُ: هِيَ العِشَاءُ.
          هذا الحديث مِن أفراد البخاريِّ ورواه الإسماعيليُّ مرَّةً هكذا، ومرَّةً بلفظ: ((لا تغلبنَّكم الأعرابُ على اسم صلاتِكُم، فإنَّ الأعرابَ تُسمِّيها عتَمةً)). ثمَّ قَالَ: الحديث الأوَّل يدلُّ على أنَّه في صلاة العشاء الآخرة. وكذلك رُوي عن ابن عُمر في العشاء الآخرة التحذير مِن أن تغلبهم الأعراب على اسم صلاتهم، يعني: حديث / مسلمٍ، وهو مِن أفراده: ((لا تغلبنَّكم الأعرابُ على اسمِ صلاتكُم، ألَا إنَّها العشاءُ وهم يُعتِمُون بالإبلِ)). وفي لفظ ((على اسم صلاتِكُم العشاء، فإنَّها في كتاب الله العشاء، وإنَّها تُعتِمُ بحِلابِ الإبلِ)) أي: تؤخِّر الحلب إلى أن يعتم اللَّيل، وهو ظلمة أوَّله ويُسمُّون الحلبة الأخيرة: العتَمة، فلا تُسمُّوا القُربَةُ باسم ما ليس بقُربةٍ، وتسميتها في كتاب الله: العِشاء.
          وقد عقد البخاريُّ بعد ذلك بابًا في تسمية العشاء عتمةً، ومَن رآه واسعًا فذلك لبيان الجواز أو لأنَّه متقدِّمٌ على نزول الآية، وهي: {مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور:58] أو أنَّه خوطب به مَن يشتبه عليه العِشاء بالمغرب.
          ومعنى: (لاَ تَغْلِبَنَّكُمُ) كما قَالَ الأزهريُّ: لا يغرنَّكم فعلهم هذا عن صلاتكم فتؤخِّروها، ولكن صلُّوها إذا كان وقتها.
          قوله: (وَتَقُولُ الأعرابُ: هِيَ العِشَاءُ) العشاء: أوَّل ظلام اللَّيل، وذلك حين يكون مِن غيبوبة الشَّفق، فلو قيل في المغرب: عشاءً، لأدَّى إلى اللَّبس بالعِشاء الآخرة.
          وقال المُنذريُّ: يجوز أن يكون منسوخًا وناسخه: (لاَ تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ)، ويحتمل عكسه فإنَّ التأريخ في التَّقدُّم لأحدهما متعذِّرٌ. ونقل ابن بطَّالٍ عن بعضهم أنَّه لا ينبغي أنْ يُقال للمغرب: العشاء الأولى، كما تقول العامَّة، وتُفرَد كلُّ صلاة باسمها ليكون أبعد مِن الإشكال.
          وفي «المصنَّف»: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حدَّثَنا شَرِيكٌ، عن أبي فَزارةَ، عن مَيمون بن مِهْران، قَالَ: قلت لابن عمرَ: مَن أوَّل مَن سمَّاها العتَمة؟ قَالَ: الشيَّطان.