التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب تأخير الظهر إلى العصر

          ░12▒ باب تَأْخِيرِ الظُّهرِ إلى العَصْرِ.
          543- ذكر فيه حديث ابن عبَّاسٍ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا، بالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. فَقَالَ أَيُّوبُ: لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرةٍ. قَالَ: عَسَى).
          هذا الحديث ذكره البخاريُّ أيضًا في باب: وقت المغرب، وفي باب: الجمع في السَّفر بين المغرب والعشاء، وفي باب: مَن لم يطَّوَّع بين المكتوبة. وأخرجه مسلمٌ وأبو داود والنَّسائيُّ.
          ومعنى (سَبْعًا) يريد: المغرب والعشاء. و(ثَمَانِيًا) يريد: الظُّهر والعصر. وقد تأوَّله مالكُ كما تأوَّله أيُّوب، وبه أخذ الشَّافعيُّ فجوَّزه تقديمًا لا تأخيرًا بشروطه المقرَّرة في الفروع. وبه قَالَ أبو ثورٍ ووافقنا مالكٌ في المغرب مع العشاء، وخالف في الظُّهر والعصر، وحُكِيَ عن ابن عمرَ وعُروةَ وسعيدِ بن المسيِّب والقاسم وأبي بكرِ بن عبد الرَّحمن وأبي سَلَمة وعمر بن عبد العزيز، وبه قَالَ أحمد وإسحاق. وقال مالكٌ: يجمع بين المغرب والعشاء في الطِّين والظُّلمة وإن لم يكن مطرٌ.
          وكان عمرُ بن عبد العزيز يرى الجمع في الرِّيح والظُّلمة. والجمع عند مالكٍ أن يؤخِّر المغرب، ثمَّ يُؤذِّن لها وتُقام ويصلِّي، ثمَّ يؤذِّن في المسجد للعشاء، ثمَّ يصلِّي وينصرف قبل مغيب الشَّفق لينصرف وعليه إسفارٌ. وقال محمَّد بن عبد الحكم: الجمع في ليلة المطر في وقت المغرب، ولا يؤخِّر المغرب؛ لأنَّه إذا أخَّرها لم يصلِّ واحدةً منهما في وقتها، ولأن يصلِّي في وقت إحداهما أولى. وحُكي عن ابن وهبٍ وأشهبَ أيضًا. وخالف أبو حنيفةَ وأصحابه هذا الحديث وقالوا: لا يجمع أحدٌ بين الصَّلاتين في مطرٍ ولا غيره. قالوا: وحديث ابن عبَّاسٍ ليس فيه صفة الجمع، ويمكن أن يكون أخَّر الظُّهر إلى آخر وقتها وصلَّاها، ثمَّ صلَّى العصر في أوَّل وقتها، وصنع بالمغرب والعشاء كذلك. قالوا: وهذا يُسمَّى جمعًا، ولا يجوز أن تُحال أوقات الحضر إلَّا بيقين، ورُوي عن اللَّيث مثله.
          وقد تأوَّل عمرو بن دينارٍ وأبو الشَّعثاء في هذا الحديث مثل تأويل أبي حنيفةَ، وإليه أشار البخاريُّ في ترجمته، وقال به ابن الماجِشُون وهو ضعيفٌ؛ لأنَّه صلعم لمَّا لم يجمع بين العصر والمغرب، ولا بين العشاء والصُّبح علمنا أنَّه صلعم جمعَ بين صلاتين في وقتِ إحداهما وهو وقت الأُخرى، ولو كان هذا الجمع جائزًا لجاز في العصر مع المغرب، والعشاء مع الصُّبح، والإجماع خلافه، على أنَّه رُوي حديث ابن عبَّاسٍ هذا على خلاف ما تأوَّله أيُّوب ومالكٌ، ففي «صحيح مسلمٍ»: ((مِن غير خوفٍ ولا مطرٍ)). وظاهرها جواز الجمع في الحضر بمجرَّد الحاجة، وبه قالت طائفةٌ مِن العلماء، وجوَّزه جماعةٌ بالمرض، ونقله البخاريُّ في باب: وقت المغرب عن عطاءٍ، وهو ظاهرٌ.
          وهذا الحديث حجَّةٌ في اشتراك أوقات الصَّلوات كما ذكرنا، ولا عبرةَ بقول مَن قَالَ: إنَّ بين آخر وقت الظُّهر وأوَّل وقت العصر فاصلةٌ لا تصلحُ لهما. وعلى مَن قَالَ: لا يدخل وقتُ العصر حَتَّى يصير ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَيه.