التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من ترك العصر

          ░15▒ باب مَنْ تَرَكَ العَصْرَ.
          553- ذكر فيه حديث هشامٍ عن يحيى، عَن أَبِي قِلاَبَة، عَنْ أبي المَلِيحِ قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ في يَوْمٍ غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلاَةِ العَصْرِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: ((مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ)). الكلام عليه مِن أوجهٍ:
          أحدها: هذا الحديث ذكره البخاريُّ أيضًا فيما سيأتي [خ¦594].
          و(بُرَيْدَةُ): هو ابن الحُصَيب الأسْلَمِيُّ، و(أَبُو المُلَيْحِ): اسمه عامر بن أسامةَ الهُذَليُّ، تابعيٌ ثقةٌ. و(أَبُو قِلَابَةَ): عبد الله بن زيدٍ الجَرْميُّ. وأخرجه ابن ماجه وابن حِبَّان مِن حديث الأوزاعيِّ، عن يحيى بن أبي كَثيرٍ عن أبي قِلابةَ عن أبي المهاجر عنه. قَالَ ابن حبَّان: وهِم الأوزاعيُّ في تصحيفه عن يحيى فقال: عن أبي المهاجر، وإنَّما هو أبو المهلَّب عمُّ أبي قِلابة، واسمه عمرٌو. ثمَّ ساقه مِن حديث الأوزاعيِّ، عن يحيى عن أبي قِلابة عن عمَّه عنه على الصَّواب. واعترض عليه الضِّياء المقدسيُّ فقال: الصَّواب أبو المَلِيح عن بُرَيدة.
          ثانيها: اختُلف في معنى تركها، فقال المهلَّب: معناه: مَنْ فاتته فواتَ مضيِّعٍ متهاونٍ بفضل وقتها مع قدرته على أدائها فحبِطَ عمله في الصَّلاة خاصَّةً، أي: لا يحصل له أجر المصلِّي في وقتها، ولا يكون له عملٌ ترفعه الملائكة.
          وقال غيره: تركها جاحدًا، فإذا فعل ذلك فقد كفر وحبط عملُه. ورُدَّ بأنَّ ذلك مقولٌ في سائر الصَّلوات، فلا مزيَّة إذًا. وقد وردَ مِنْ حديث عمرَ مرفوعًا: ((مَن تركَ صلاةً متعمِّدًا أحبطَ الله عملَه، وبرئت منه ذمَّةُ الله تعالى حَتَّى يراجعَ الله توبةً)) وإسناده لا يقوى. وقال ابن بَزِيزَة: هذا على وجه التَّغليظ إذا لا يُحبِط الأعمال إلَّا الشِّرك.
          أو حبط جزاء عمله، أي: نقص بالنِّسبة إلى جزاء المحافظة عليها. وقال ابن التِّين: كاد أن يحبط وقال ابن العربيِّ في «قبسه»: يُوقَف عنه عمله مدَّة يكون فيها بمنزلة المحبط حَتَّى يأتيه مِن فضله ما يُدرك به فوات عمله، أو يحبط عمله عند موازنة الأعمال، فإذا جاء الفضل أدرك الثَّواب.
          ثالثها: فيه البكور بها على التَّحرِّي والأغلب، لا عَلى نفس الإحاطة، وقد اختار جماعةٌ مِن العلماء في يوم الغيم تأخير الظُّهر وتعجيل العصر، وسيأتي إيضاح ذلك في باب التبكير بالصَّلاة في يوم غيمٍ [خ¦594].