التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من رايا بقراءة القرآن أو تأكل به أو فخر به

          ░36▒ (بَابُ: مَنْ رَايَا بِقِرَاءَةِ القُرْآنِ أَوْ تَأَكَّلَ بِهِ أَوْ فَخَرَ بِهِ).
          هو بالخاء المعجمة، ويُروى بالجيم.
          ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
          5057- أحدها: حديث سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: (قَالَ عَلِيٌّ ☺: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ...) الحديث.
          5058- ثانيها: حديث أبي سَعِيدٍ: (يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ...) الحديثَ، ويأتي في استتابة المرتدِّين [خ¦6933].
          5059- ثالثها: حديث أبي موسى: (الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالأُتْرُجَّةَ...) إلى آخرِه، سلف قريبًا [خ¦5020].
          ومعنى (لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ): لا يرتفع إلى الله، ولا يؤجرون عليه لعدم خلوص النِّيَّة بقراءة ذلك، ولذلك شبَّه النَّبِيُّ صلعم قراءةَ المنافق لمَّا كانت رياءً وسمعةً بطعمِ الرَّيحانة المرَّة الَّذي لا يلتذُّ به آكله، كما لا يلتذُّ المنافق والمرائي بأجر قراءته وثوابها، وَقَالَ حذيفة: أقرأُ النَّاس بالقرآن منافقٌ يقرؤه لا يترك ألِفًا ولا واوًا، ولا يجاوز ترقوته، وَقَالَ ابن مسعودٍ: أعربوا القرآنَ فإنَّه عربيٌّ، فسيأتي قومٌ يثقفونه ليس بخياركم، وروى أبو عُبيدٍ مِنْ حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ ☺ مرفوعًا: ((تعلَّموا القرآنَ، واسألوا الله به قبل أن يتعلَّمه قومٌ يسألونَ به الدُّنيا، فإنَّ القرآنَ يتعلَّمُه ثلاثةُ نفرٍ: رجلٌ يباهي به، ورجلٌ يستأكل به، ورجلٌ يقرؤه لله)).
          وذكر أيضًا عن زاذان قَالَ: مَنْ قرأ القرآنَ ليستأكل به النَّاسَ جاء يومَ القيامة ووجهُه عظمٌ ليس عليه لحمٌ، وَقَالَ ابن مسعودٍ: سيجيءُ على الَّناس زمانٌ يُسأل فيه بالقرآن، فإذا سألوكم فلا تعطوهم.
          وقوله: (يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ) هو حديدة السَّهم، و(القِدْحِ) عوده، و(الفُوقِ) منه موضع الوتر، وجمعه: أَفْواقٌ ووفُوَقٌ وفُقًا.
          فائدةٌ: قوله: (عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ) وذكره الدَّاوُديُّ عن سُوَيدٍ قَالَ: سمعت النَّبِيَّ صلعم، ثُمَّ قَالَ: اختُلف في صحبة سُوَيدٍ، والصَّحيح ما هنا أنَّه سمع النَّبِيَّ صلعم وهذا وهمٌ، فالَّذي هنا أنَّه سمعَه مِنْ عليٍّ ☺.
          قَالَ الدَّاوُديُّ: وفي قوله: (لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ) أنَّهم تعلَّقوا بشيءٍ مِنَ الإيمان، وخالفه غيره لأنَّ الإيمان محلُّه القلب، وإذا لم يصل إليه لم يكن له إيمانٌ، والحَنْجَرَةُ أسفل الحُلْقُوم.
          وقوله: (فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ) اختُلف في تأويله، فقال مالكٌ: مَنْ قُدر عليه منهم استُتيب، فإن تاب وإلَّا قُتل. وَقَالَ سُحْنون: مَنْ كان منهم يقرؤه ودعا إلى بدعته قُوتل حتَّى يُؤتى عليه أو يرجع إلى الله، ومَنْ لم يبقَ منهم بداره ولم يدعُ إلى بدعته صُنع به ما صَنع عمرُ بصُبَيْغٍ يُسجن ويكرَّر عليه الضَّرب حتَّى يموت.