التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: نزل القرآن بلسان قريش والعرب

          ░2▒ (بَاب: نَزَلَ القُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ، {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف:2] {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195]).
          4984- ساق فيه حديثَ الزُّهْريِّ: (أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: فَأَمَرَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ...) الحديث في نسخ المصاحف، إلى أن قَالَ: (إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي عَرَبِيَّةٍ مِنْ عَرَبِيَّةِ القُرْآنِ فَاكْتُبُوها بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّ القُرْآنَ أُنْزِلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا).
          هو مطابقٌ لما ترجم له، وذُكر عن ابن شِهابٍ أنَّه قَالَ: اختلفوا يومئذٍ في {التَّابُوتُ} [البقرة:248]، فقال: {التَّابُوه}، وَقَالَ ابنُ الزُّبَير ومَنْ معه: {التَّابُوتُ}، فترافعوا إلى عثمان؛ فقال: اكتبوه {التَّابُوتُ} بلغة قريشٍ، سيأتي عقب هذا الباب [خ¦4987]، وأخرجه في فضائل قريشٍ أيضًا [خ¦3506]، وروى ابن أبي شَيبة عن يزيد بن هارون عن ابن عَونٍ عن مُحمَّدٍ: أنَّ عليًّا ☺ أوَّل مَنْ جمع القرآن في أوَّل ما توفِّي رسول الله صلعم.
          ودلَّ قول عثمان: (إِذَا اخْتَلَفْتُمْ...) إلى آخره، على تشريف قريشٍ على سائر النَّاس وتخصيصهم بالفضيلة الباقية إلى الأبدِ حين اختار اللهُ إيثارَ وحيه الهادي مِنَ الضَّلالة بلغتهم وتقييده بلسانهم وحسبُك شرفًا.
          قَالَ أبو بكر بن الطَّيِّب: ومعنى نزوله بلسانهم: معظمه وأكثره؛ لأنَّ في القرآن همزًا كثيرًا وقريشٌ لا تهمز، وفيه كلماتٌ على خلاف لغة قريشٍ، وقد قَالَ تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف:2] ولم يقلْ: قرشيًّا، وليس لأحدٍ أن يقول: أراد قريشًا دون غيرها؛ لأنَّه تحكُّمٌ، وَقد قَالَ سعيد بن المُسَيِّب: نزل القرآن بلغة هذا الحيِّ مِنْ لدن هوازنَ وثقيفٍ إلى ضرية، وقال ابن عبَّاسٍ: نزل بلسان قريشٍ ولسان خزاعة لأنَّ الدَّار كانت واحدةً، وقَالَ ◙: ((أنا أفصحُكم لأنِّي مِنْ قريشٍ ونشأتُ في بني سعد بن بكرٍ))، فلا يجب لذلك أن يكون القرآن منزَّلًا بلغة سعد بن بكرٍ، بل لا يمنتع أن ينزل بلغة أفصح العرب ومَنْ دونها في الفصاحة إذا كانت فصاحتهم غير متقاربةٍ، وقد جاءت الرِّوايات أنَّه ◙ كان يقرأ بلغة قريشٍ وغيرِ لغتها كما أخرجه ابن أبي شَيبة عن الفضل عن أبي خلدة قَالَ: سمعت أبا العالية يقول: قرأ القرآنَ على رسول الله صلعم خمسةُ رجالٍ، فاختلفوا في اللُّغة، فرضي قراءتهم كلِّهم، وكانت بنو تميمٍ أعرب القومِ. فهذا يدلُّ أنَّه كان يقرأ بلغة تميمٍ وخُزاعة وأهل لغاتٍ مختلفةٍ قد أقرَّ جميعها ورضيها.