التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب اغتباط صاحب القرآن

          ░20▒ (بَابُ: اغْتِبَاطِ صَاحِبِ القُرْآنِ).
          5025- ذكر فيه حديثَ ابن عُمَرَ ☻: (لاَ حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الكِتَابَ فَقَامَ بِهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ، وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللهُ مَالًا فَهُوَ يَتَصَدَّقْ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ).
          5026- وحديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺: (لاَ حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ القُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهْوَ يُهْلِكُهُ فِي الحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ).
          هذا الحديث سلف في أوَّل الكتاب في العلم، في باب: الاغتباط في العلم والحكمة في حديث ابن مسعودٍ [خ¦73]، وكذا في الزَّكاة [خ¦1409].
          وشيخُ البُخاريِّ في حديث أبي هريرة (عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) فقيل: الواسِطيُّ، وقيل: ابنُ إشْكَابٍ، قَالَ أبو عليٍّ: كذا في روايتنا عن ابن السَّكَن وأبي أحمد وأبي زيدٍ: (حَدَّثنا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ) فقيل: إنَّه عليُّ بن إبراهيم بن عبد الحميد الواسطيُّ، وَقَالَ أبو أحمد الجُرْجانيُّ: يشبه أن يكون عليُّ بن الحسين بن إبراهيم بن إشْكَابٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنيُّ: عليُّ بن عبد الله بن إبراهيم شيخ البُخاريِّ عن حجَّاجٍ لم يذكر غيرَه، وأشار صاحب «الزَّهرة في أسماء مشاهير المحدِّثين» إلى نحو هذا، وقال: روى عنه البُخاريُّ أربعة أحاديث.
          وقد سلف أنَّ معنى (لَا حَسَدَ): لا غبطةَ، وهي تمنِّي أن يكون له مثله دون زوالٍ عنه، قَالَ ثعلبٌ: أي لا حسدَ لا يضرُّ إلَّا في كذا، وهو ظاهر ترجمة البُخاريِّ، و(آنَاءَ اللَّيْلِ) ساعاته، واحدها إنًى، وظاهر الحديث الأوَّل أنَّه يقوم به في الصَّلاة بخلاف قوله في الثَّاني: (يَتْلُوهُ) فإنَّه محتملٌ.
          وفيه أنَّ النِّيَّة إذا حصلت تقوم مقامَ العمل، فنيَّة المؤمن أبلغُ مِنْ عمله، وهنا هي مثله فقد يجوز لأنَّ العمل لا بدَّ أن يكون فيه للنَّفس حظٌّ، والنِّيَّة تعرى عن ذلك.
          فصلٌ: وروى أبو عُبيدٍ بإسناده إلى عبد الله بن عمرو بن العاصي قَالَ: مَنْ جمع القرآن فقد حمل أمرًا عظيمًا، وقد استُدرجت النُّبوَّة بين جنبيه إلَّا أنَّه لا يُوحى إليه، فلا ينبغي لصاحب القرآن أن يَرفثَ فيمن يَرفثُ، ولا يجهلَ فيمن يجهلُ، وفي جوفه كلام اللهِ، وَقَالَ سفيان بن عُيَيْنة: مَنْ أُعطي القرآن فمدَّ عينيه إلى شيءٍ ممَّا صغَّر القرآن فقد خالف القرآن، ألم تسمع قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} الآية [الحجر:78]، يعني القرآنَ، وقوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ...} إلى قوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] قَالَ: هو القرآن، قَالَ أبو عُبيدٍ: ومِنْ ذلك قوله ◙: ((ما أنفقَ عبدٌ مِنْ نفقةٍ أفضلَ مِنْ نفقةٍ في قول))، ومنه قول شُرَيْحٍ لرجلٍ سمعَه يتكلَّم فقال له: أمسك نفقتك.
          فصلٌ: في حديث ابن عمرَ وأبي هريرة ♥ أنَّ حاملَ القرآن ينبغي له القيام به آناء اللَّيل وآناء النَّهار، ومَنْ فعل ذلك فهو الَّذي يُحسَد على فعله فيه، وكذلك مَنْ آتاه اللهُ مالًا وتصدَّق به آناء اللَّيل والنَّهار فهو المحسود عليه، ومَنْ لم يتصدَّق به وشحَّ عليه فلا ينبغي حسدُه عليه لما يُخشى مِنْ سوء عاقبته وحسابه عليه.