التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب مد القراءة

          ░29▒ (بَابُ: مَدِّ القِرَاءَةِ).
          5045- ذكر فيه حديثَ قتادة: (سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ☺ عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: كَانَ يَمُدُّ مَدًّا).
          5046- وعنه: (سُئِلَ أَنَسٌ: كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَتَهُ؟ فَقَالَ: كَانَتْ مَدًّا، ثُمَّ قَرَأَ: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:1] يَمُدُّ بِـ{بِسْمِ اللهِ} وَيَمُدُّ بِـ{الرَّحْمَنِ} وَيَمُدَّ بِـ{الرَّحِيمِ}).
          الشَّرح: / سبب فعلِ ذلك _والله أعلم_ أمرُه تعالى له بالتَّرتيل، وأن يقرأَه على مكثٍ، وألَّا يحرِّك به لسانه ليعجل به، فامتثل أمرَ ربِّه، فكان يقرؤه على مهلٍ ليسنَّ لأمَّته كيف يقرؤون وكيف عليهم تدبُّر القرآن وفهمه، وروى أبو عُبيدٍ عن اللَّيث عن ابن أبي مُلَيكة عن يعلى بن مالكٍ عن أمِّ سَلَمة أنَّها نعتت قراءةَ رسول الله صلعم قراءةً مفسِّرةً حرفًا حرفًا، وقالت أمُّ سَلَمة أيضًا: كان ◙ يقطع قراءته، وعن إبراهيم قَالَ: قرأ علقمة على عبد الله فكأنَّه عجل، فقال عبد الله: فداك أبي وأمِّي، رتِّل قرآنَه تمِّم مِنَ القرآن، وكان علقمة حسن الصَّوت بالقرآن.
          فصلٌ: مدُّ {الرَّحْمَنِ} و{الرَّحِيمِ} ليس كمدِّ غيرها لأنَّه ليس في البسملة همزٌ يوجب المدَّ في حروف المدِّ واللِّين.
          فصلٌ: قد أسلفنا اختلافَ النَّاس في القراءة، فالماهرُ يستطيع الإسراعَ والتَّرتيلَ، ومنهم مَنْ يرتِّل فإذا أسرع توقَّف، ومنهم مَنْ يُسرع فإذا رتَّل وقف، ومنهم مَنْ يشتدُّ عليه في الوجهين، وكان مِنْ أهذِّ النَّاس مُحمَّد بن كعبٍ وأبو عثمان النَّهْديُّ، وكان الإمام الشَّافعيُّ يقرأ في كلِّ يومٍ ختمةً، فإذا كان في رمضان زاد أُخرى سوى ما يقرأ به في الصَّلاة، وذُكر عن ابن القاسم أنَّه كان يختم في آخر عمره في رمضان مئتي ختمةٍ إذا صلَّى المغرب صلَّى حتَّى يطلع الفجر، ثُمَّ ينام حتَّى ترتفع الشَّمس ثم يصلي، ثُمَّ يصلِّي العصر، ثُمَّ ينام حتَّى تغرب الشَّمس يُرابط بالإسكندريَّة أربعة أشهرٍ، ويحجُّ في ثلاثة أشهرٍ، ويجلس للنَّاس خمسة أشهرٍ، وكان ابن وَهْبٍ يُرابط شهرين، ويحجُّ ثلاثةً، ويجلس للنَّاس سبعةً، وكان عثمان يختم في ركعةٍ، ويقرأ في الثَّانية: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} يفعل ذلك في خلافته عند المقام وهو شيخٌ كبيرٌ.