التوضيح لشرح الجامع البخاري

فضل البقرة

          ░10▒ (بَابُ: فَضْلِ البَقَرَةِ).
          5008- 5009- ذكر فيه حديثَ إبراهيمَ: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) وهو ابنُ يزيد، (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ) واسمُه عُقبة بن عمرٍو البَدْريُّ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: مَنْ قَرَأَ بِالآيَتْينِ).
          وفي لفظٍ: (مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ).
          وقد سلف [خ¦4008]، قَالَ الجَيَّانيُّ: وفي نسخة أبي مُحمَّدٍ عن أبي أحمد: <عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ>، والصَّواب: أبو مسعودٍ مكنًّى، لأنَّه حديثٌ مشهورٌ به، وعنه خرَّجه مسلمٌ والنَّاس.
          5010- ثُمَّ قَالَ البُخاريُّ: (وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الهَيْثَمِ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ...) الحديثَ، في آية الكرسيِّ.
          وقد سلف كذلك في الوكالة [خ¦2311] والفضائل وصفة إبليس [خ¦3275]، وأخرجه النَّسَائيُّ عن إبراهيم بن يعقوب عن عثمان، وكأنَّ البُخاريَّ أخذه عنه مذاكرةً.
          فصلٌ: الآيتان مِنْ قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ} إلى آخر السُّورة كما ذكره ابن التِّينِ، وسبب تخصيصهما بما تضمَّنتا مِنَ الثَّناء على رسول اللهِ وعلى / أصحابه بجميل انقيادهم إلى اللهِ وابتهالهم ورجوعهم إليه في جميع أمورهم، ولما حصل فيهما مِنْ إجابة دعائهم.
          فصلٌ: وفي قوله: (كَفَتَاهُ) أقوالٌ، أظهرها: مِنْ قيام ليلةٍ، وقد جاء مصرَّحًا به في رواية عَلقمة عن أبي مسعودٍ البدريِّ أنَّه قَالَ: مَنْ قرأ خاتمةَ سورة البقرة أجزأت عنه قيام ليلةٍ، قَالَ: وأُعطي رسول الله صلعم خواتيم سورة البقرة مِنْ كنزٍ تحت العرش. أخرجه ابن الضُّرَيْس عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد عن عاصم بن بَهْدَلَة عن عَلْقمة به.
          وقريبٌ منه: ((أقلُّ ما يكفي مِنْ قيام اللَّيل آيتان)) يريد مع أمِّ القرآن، وَقَالَ ابن شُبْرُمة في البُخاريِّ بعد هذا [خ¦5051]: نظرت كم يكفي الرَّجل مِنَ القرآن فلم نجد سورةً أقلَّ مِنْ ثلاث آياتٍ، فقلت: لا ينبغي لأحدٍ أن يقرأ أقلَّ مِنْ ثلاث آياتٍ.
          وفيه قولٌ ثانٍ: تكفيه ممَّا يكون مِنَ الآفات تلك اللَّيلة.
          وثالثٌ: مِنَ الشَّيطان وشرِّه.
          ورابعٌ: مِنْ خوفه إن كان له خوفٌ مِنَ القرآن، وقيل: حسبه بهما أجرًا وفضلًا.
          فصلٌ: في «مستدرك الحاكم» مِنْ حديث النُّعمان بن بشيرٍ مرفوعًا: ((إنَّ الله ╡ كتب كتابًا قبل خلق السَّماوات والأرض بألفي عامٍ، وأنزل به آيتين ختم بهما سورة البقرة لا تُقرآن في دارٍ فيقربها الشَّيطان ثلاث ليالٍ)) ثُمَّ قَالَ: على شرط مسلمٍ. ومِنْ حديث عقبة بن عامرٍ مرفوعًا: ((اقرإ بالآيتين مِنْ آخر سورة البقرة، فإنِّي أعطيتهما مِنْ تحت العرش))، ثُمَّ قَالَ: صحيحٌ على شرط مسلمٍ، وعن أبي ذرٍّ ☺ نحوه على شرط البُخاريِّ. ومِنْ حديث معاذٍ: لمَّا مسك الجنِّيَّ الَّذي سرق تمرةً مرَّةً بعد أخرى فقال له في الثَّانية: إنِّي لا أعود، وآية ذلك أنَّه لا يقرأُ أحدٌ منكم خاتمةَ سورة البقرة فيدخل أحدٌ منَّا في بيته تلك اللَّيلة، ثُمَّ قَالَ: صحيح الإسناد.
          فصلٌ: في «مستدرك الحاكم» وَقَالَ: صحيح الإسناد، مِنْ حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((سيدة آي القرآن آية الكرسيِّ))، وفي «جامع التِّرْمِذيِّ»، وقَالَ: غريبٌ، عنه مرفوعًا: ((لكلِّ شيءٍ سَنامٌ، وإنَّ سَنام القرآن سورة البقرة، فيها آية الكرسيِّ))، وأصلُه في «صحيح ابن حبَّان»، زاد ابن عُيَيْنة في «جامعه» من حديث أبي صالحٍ عنه: ((فيها آية الكرسيِّ وهي سَنام آي القرآن، ولا تُقرأ في دارٍ فيها شيطانٌ إلَّا خرج منها)).
          وعن ابن مسعودٍ ☺ قَالَ: ما خلق الله في سماءٍ ولا أرضٍ أعظمَ مِنْ آية الكرسيِّ، زاد أبو ذرٍّ الهَرَويُّ في «فضائل القرآن» مرفوعًا: ((أعظمُ آية في القرآن: {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة:255]))، وللحاكم: ((إنَّ لكلِّ شيءٍ سنامًا وسنامُ القرآن البقرة))، وصحَّح إسنادَه، قَالَ: وقد رُوي موقوفًا.
          قلت: وأخرجه ابن الضُّرَيْس بإسنادٍ فيه مجهولٌ عن أبي ذرٍّ: قلتُ: يا رسول الله، أيُّما أُنزل عليك أعظمُ؟ قَالَ: ((آيةُ الكرسيِّ))، وللنَّسَائيِّ في «عمل يومٍ وليلةٍ» مِنْ حديث أُبيِّ بن كعبٍ نحو حديث أبي هريرة، وَقَالَ الضِّياء: وقد ذُكر نحوُه عن معاذ بن جبلٍ وأبي أسيدٍ وزيد بن ثابت، وفي «الدَّلائل للبَيْهَقيِّ» عن بُرَيدة بن الحُصَيب نحوه، وَقَالَ: هذا غير قصَّة معاذٍ فيحتمل أن يكونا محفوظين، ويُذكر عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ أنَّه وقع له ذلك، وأخرج ابن أبي شَيبة عنه مرفوعًا: ((والَّذي نفسي بيده إنَّ لهذِه الآية _يعني آية الكرسيِّ_ لسانًا وشفتين تقدِّس الملكَ عند ساق العرش))، وروى أبو الشَّيخ مِنْ حديث سلمة بن وَرْدَان _المضعَّف_ عن أنسٍ مرفوعًا: ((آية الكرسيِّ ربع القرآن العظيم)).
          فصلٌ: إذا كان مَنْ قرأ الآيتين مِنْ آخر سورة البقرة كفتاه، ومَنْ قرأ آية الكرسيِّ كان عليه مِنَ الله حافظٌ، ولا يقربه شيطانٌ حتَّى يصبح، فما ظنُّك بمَنْ قرأها كلَّها، مِنْ كفاية الله تعالى له وحرزه وحمايته مِنَ الشَّيطان وغيره، وعظيم ما يدَّخر له مِنْ ثوابها؟ وقد رُوي هذا المعنى عن رسول الله صلعم، وروى مَعمرٌ عن يحيى بن أبي كَثيرٍ عن أبي سَلَمة عن أبي أُمامة قَالَ: قَالَ رسول الله صلعم: ((تعلَّموا القرآن، فإنَّه شافعٌ لأصحابه يومَ القيامة، تعلَّموا البقرة وآل عمران، تعلَّموا الزَّهراوَين فإنَّهما تأتيان يوم القيامة كأنَّهما غمامتان، أو غيايتان، أو كأنَّهما فِرْقَانِ مِنْ طيرٍ صَوَافَّ، تحاجَّان عن صاحبهما، وتعلَّموا البقرة فإنَّ تَعلُّمها بركةٌ، وإنَّ في تركِها حَسْرةً، ولا تُطيقُها البَطَلَة))، وَقَالَ ابن مسعودٍ: إنَّ الشَّيطان يخرج مِنَ البيت الَّذي تُقرأ سورة البقرة فيه، والمراد: يأتيان كأنَّهما غمامتان: ثوابُهما، والغمامتان: السَّحابتان، والغيايتان: المزانتان، وهو شكٌّ مِنَ الرَّاوي.
          فصلٌ: في حديث أبي هريرة أنَّ الجنَّ تبدَّى في صورة رجلٍ، وأنَّهم يطعمون ممَّا يأكل النَّاسُ ويحفظون القرآن، وأنَّه ربَّما انتفع الموعوظ دون الواعظ، وأنَّ الكذوب ربَّما صدق ولعلَّ ذلك شيطانٌ قرأ آية الكرسيِّ فنجَّاه الله بها.