التوضيح لشرح الجامع البخاري

بابُ فاتحة الكتاب

          ░9▒ (بَابُ: فَضْلِ فَاتِحَةِ الكِتَابِ).
          5006- ذكر فيه حديثَ أبي سعيد بن المُعَلَّى السَّالف في تفسير الفاتحة [خ¦4474].
          5007- وحديثَ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ في الرُّقْية بها، وقد سلف في الإجارة [خ¦2276] وغيرها، وَقَالَ هنا: (ثَلَاثِيْنَ شَاةً)، وأخرجه مسلمٌ وأبو داود والنَّسَائيُّ.
          و(مُحمَّد) في إسناده هو ابنُ سِيرين، روى عن أخيه مَعْبَد بن سِيرين كما ذكره بعدها، والسَّلِيمُ: اللَّديغ، مِنْ باب التَّفاؤل.
          وقوله: (فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مَا كُنَّا نَأْبُِنُهُ) هو بضمِّ الباء الموحَّدة وكسرها، يُقال: أَبَنْتُ الرَّجلَ آبُنُه وآبِنُه، إذا اتَّهمته ورميتُه بشرٍّ، وَقَالَ صاحب «الأفعال»: أَبَنْتُ الرَّجل بخيرٍ أو شرٍّ، نسبتهما إليه، آبُِنُهُ أَبْنًا.
          وقوله: (فَبَرَأَ) يُقال: بَرِئ مِنَ المرض وبَرَأ.
          ثُمَّ ذكر بعد معلَّقًا عن أبي مَعمرٍ عن مُحمَّد بن سِيرين: (حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْريِّ بِهَذَا).
          و(أَبُو مَعْمَرٍ) اسمُه عبد الله بن عمرٍو المُقْعَد، مات سنة أربعٍ وعشرين ومئتين.
          وفيه جواز الرُّقْية وأخذ الأجرة عليها، والتَّوقُّف فيما لا يتحقَّق تحليله ولا تحريمه.
          واختصَّت الفاتحة بأمورٍ منها: أنَّها فاتحة القرآن ومبدؤُهُ، ومختصَّةٌ بجميع علومه لأنَّها احتوت على الثَّناء على اللهِ والأمر بالعبادات والإخلاص فيها والاعتراف بالعجز عن القيام بشيءٍ منها وعلى الابتهال إلى اللهِ والهداية، وعلى بيان عاقبة الجاحدين، نبَّه على ذلك القُرْطُبيُّ، قَالَ: ويظهر لي أنَّ السُّورة كلَّها موضعُ الرُّقية لِما ذكرناه، ولقوله: (وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟) ولم يقل: فيها رقيةٌ.
          وأمَّا حديث عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلة عن ابن مسعودٍ: ((كان ◙ يكره الرُّقى إلَّا بالمعوِّذات)) أخرجه أبو داود، وَقَالَ البُخاريُّ في «تاريخه»: لا يصحُّ، قَالَ ابنُ عَديٍّ: يعني أنَّ عبد الرَّحْمَن لم يسمع مِنْ عبد اللهِ، وَقَالَ ابن المَدينيِّ: حديثٌ كوفيٌّ، وفي إسناده مَنْ لا يُعرف، وابن حَرْملة لا نعرفه في أصحاب عبد اللهِ، وَقَالَ أبو حاتمٍ: ليس بحديثِ عبد الرَّحْمَن بأسٌ، روى حديثًا واحدًا ما يمكن أن يُعتبر به، ولم أرَ أحدًا ينكره ويطعن عليه، يحوَّل مِنَ الضُّعفاء، وقال السَّاجيُّ: لا يصحُّ حديثه، وأمَّا ابن حبَّان فذكره في «ثقاته» وأخرج حديثَه في «صحيحه»، وَقَالَ الحاكم: صحيح الإسناد.
          فإن قلت: كيف شُفي الكافر برقية أبي سعيدٍ بالفاتحة، وقد قَالَ تعالى: {وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82]؟ قلتُ: الرَّحمة إنَّما حصلت لهم لأنَّهم كانوا في مَخْمَصةٍ فانتفعوا بها.