التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب القراءة عن ظهر القلب

          ░22▒ (بَابُ: القِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ القَلْبِ).
          5030- ذكر فيه حديثَ سهل بن سعدٍ السَّالف في الباب قبله، وَقَالَ في آخره: (مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ)، وَقَالَ في الباب قبله، وفي الوكالة: (زَوَّجْتُكَهَا)، وسيأتي الكلام عليه في موضعه.
          واعترض ابن بَطَّالٍ فقال: هذا الحديث يدلُّ على خلاف ما تأوَّله الشَّافعيُّ في إنكاحه ◙ الرَّجل بما معه مِنَ القرآن، أنَّه إنَّما زوَّجه إياها بأجرة تعليمها، وليس كما قَالَ ابن بَطَّالٍ بل هو صريحٌ كما قاله الشَّافعيُّ لقوله: (بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ). قَالَ: وقوله فيه: (أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ) فزوَّجه لذلك يدلُّ على أنَّه إنَّما زوَّجها منه بحرمة استظهاره للقرآن، وقد سلف ما فيه.
          فصلٌ: قد رُوي عن رسول اللهِ صلعم تعظيمُ حامل القرآن وإجلاله وتقديمه، ذكر أبو عُبيدٍ مِنْ حديث طلحة بن عُبيدِ اللهِ بن كُرَيزٍ قَالَ: قَالَ رسول اللهِ صلعم: ((إنَّ مِنْ تعظيمِ جلالِ اللهِ إكرامُ ثلاثةٍ: الإمامِ المقسط، وذي الشَّيبة المسلم، وحاملِ القرآن))، وكان ◙ يأمر يومَ أُحدٍ بدفن الرَّجلين والثَّلاثة في قبرٍ واحدٍ ويقول: ((قدِّموا أكثرَهم قرآنًا)).
          فصلٌ: وقد رُوي أنَّه ◙ أمر بالقرآن في المصحف نظرًا مِنْ حديث زيد بن أسلم عن عَطاء بن يسارٍ عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ مرفوعًا: ((أعطوا أعينَكم حظَّها مِنَ العبادة))، قالوا: يا رسول اللهِ، وما حظُّها مِنَ العبادة؟ قَالَ: ((النَّظرُ في المصحف والتَّفكُّر فيه، والاعتبار عند عجائبه)). /
          قَالَ يزيد بن أبي حَبيبٍ: مَنْ قرأ القرآن في المصحف خُفِّف عن والديه العذاب وإن كانا كافرين، وعن عبد اللهِ بن حسَّان قَالَ: اجتمع اثنا عشرَ مِنْ أصحاب رسول اللهِ صلعم على أنَّ مِنْ أفضل العبادة قراءةُ القرآن نظرًا، وَقَالَ أسد بن وَدَاعَة: ليس مِنَ العبادة شيءٌ أشدُّ على الشَّيطان مِنْ قراءة القرآن نظرًا، وَقَالَ وكيعٌ: قَالَ الثَّوْريُّ: سمعنا أنَّ تلاوة القرآن في الصَّلاة أفضل مِنْ تلاوته في غيرها، وتلاوته أفضل الذِّكر، والذِّكر أفضل مِنَ الصَّدقة، والصَّدقة أفضل مِنَ الصَّوم، والقراءة في المصحف أحسن مِنَ القراءة ظاهرًا لأنَّها زيادةٌ، وهذه الآثار مِنْ رواية ابن وضَّاحٍ.
          فصلٌ: وممَّا رُوِي في فضل تعلُّم القرآن وحمله ما ذكره أبو عُبيدٍ مِنْ حديث عقبة بن عامرٍ قَالَ: خرج علينا رسول اللهِ صلعم ونحن في الصُّفَّة، فقال: ((أيُّكم يحبُّ أن يغدو كلَّ يومٍ إلى بطحان والعقيق فيأخذ ناقتين كَوْمَاوَين زَهراوَين في غير إثمٍ ولا قطيعة رحمٍ؟)) قالوا: كلُّنا يا رسول اللهِ يحبُّ ذلك، قَالَ: ((فَلَأَنْ يغدوَ أحدُكم كلَّ يومٍ إلى المسجدِ ليتعلَّم آيتين مِنْ كتاب اللهِ خيرٌ له مِنْ ناقتين، ومِنْ ثلاثٍ، ومِنْ أعدادهنَّ مِنَ الإبل)).
          وذُكر عن كعب الأحبار في التَّوراة أنَّ الفتى إذا تعلَّم القرآن وهو حديثُ السِّنِّ وحرص عليه وعمل به وتابعه خلطه اللهُ بلحمه ودمه وكتبه عنده مِنَ السَّفرة الكرام البررة، وإذا تعلَّم الرَّجل القرآن وقد دخل في السِّنِّ وحرص عليه، وهو في ذلك يتابعه وينفلت منه كُتب له أجره مرَّتين، ورُوي عن الأعمش قَالَ: مرَّ أعرابيٌّ بعبد الله بن مسعودٍ وهو يُقرئ قومًا القرآن، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقال ابن مسعودٍ: يقسمون ميراث مُحمَّدٍ صلعم.
          قَالَ عبد اللهِ بن عمرٍو: عليكم بالقرآن فتعلَّموه وعلِّموا أبناءكم، فإنَّكم عنه تُسألون وبه تُجْزَون، وكفى به واعظًا لِمَنْ عقل. وَقَالَ ابن مسعودٍ: لا يَسأل أحدٌ عن نفسه غير القرآن، فإن كان يحبُّ القرآن فإنَّه يحبُّ اللهَ ورسوله. وعن أنسٍ ☺ مرفوعًا قَالَ: ((إنَّ للهِ أهلين مِنَ النَّاس)) قيل: مَنْ هم يا رسول اللهِ؟ قَالَ: ((هم أهل القرآن أهل اللهِ وخاصَّته)).