التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب كاتب النبي

          ░4▒ (بَاب: ذِكْر كَاتِبِ النَّبِيِّ صلعم)
          4989- ذكر فيه قطعةً مِنَ الحديث قبله عن الزُّهْريِّ: (أَنَّ ابْنَ السَّبَّاقِ قَالَ: إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: إِنَّكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيِ لِرَسُولِ اللهِ صلعم...) الحديث.
          4990- وحديثَ البَرَاءِ: (لَمَّا نَزَلَتْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ...}) [النساء:95]، وقد سلف في سورة النِّساء [خ¦4593].
          قَالَ مالكٌ: نزل جبريلُ بقوله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء:95] قبل أن يجفَّ القلم فأُلحق بما في القلم، وذلك مسيرةَ ألف سنةٍ في هبوطه وعروجه.
          وفيه _كما قَالَ أبو بكر بن الطَّيب_ أنَّه ◙ سنَّ جمعَ القرآن وكتابتَه وأمر بذلك وأملاه على كتبته، وأنَّ الصِّدِّيق والفاروق وزيد بن ثابتٍ وجماعةَ الأئمَّة أصابوا في جمعِه وتحصينه وإحرازِه، وجرَوا في كتابته على سَنَن الرَّسول وسُنَّته، وأنَّهم لم يثبتوا منه شيئًا غير معروفٍ وما لم تقم الحجَّة به.
          وفيه _كما قَالَ المُهَلَّب_ أنَّ السُّنَّة للخليفة والإمام أن يتَّخذ كاتبًا يقيِّد له ما يحتاج إلى النَّظر فيه مِنْ أمور الرَّعيَّة، ويعينُه على تنفيذ أحكام الشَّريعة؛ لأنَّ الخليفةَ يلزمه مِنَ الفكرة والنَّظر في أمور مَنِ استرعاه اللهُ أمرَهم ما يشغله عن الكتاب وشبهه مِنْ أنواع المهن، ألا ترى قولَ الفاروق: لولا الخلافة لأذَّنتُ، يريد أن الخلافةَ حال شغلٍ بأمور المسلمين عن الأذان وغيره، لأنَّ هذا فيه مَنْ يقوم مقامه وينوب عنه دون الإمامة، وقد احتجَّ بقوله: {لَا يَسْتَوِي...} [النساء:95] إلى آخره مَنْ، قَالَ: إنَّ الغنى أفضلُ مِنَ الفقر، وَقَالَ: ألا ترى قولَه: {فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ...} الآية، إلى قوله: {الْحُسْنَى} [النساء:95] ففضيلة الجهاد وبذل المال في إعلاء كلمة اللهِ درجةٌ لا يبلغها الفقراء أبدًا.
          وقوله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} يدلُّ أنَّ أهل الأعذار لا حرجَ عليهم فيما لا سبيل لهم إلى فعله مِنَ الفرائض اللَّازمة للأصحَّاء القادرين.
          وفيه حجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: لا يجوز تكليفُ ما لا يُطاق، وهو قول جمهور الفقهاء.