التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول المقري للقاري: حسبك

          ░33▒ (بَابُ: قَوْلِ المُقْرِئِ لِلْقَارِئِ: حَسْبُكَ).
          5050- ساق فيه الحديث المذكور بزيادة: (فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حتَّى إِذَا أَتَيْتُ إلى هذِه الآيَةِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء:41] قَالَ: حَسْبُكَ الآنَ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ).
          وقد سلف في تفسير سورة النِّساء [خ¦4582]، ويأتي قريبًا [خ¦5055]، ومعنى استماعه القرآن مِنْ غيره ليكونَ عرض القرآن سنَّةً، ويحتمل لأجل التَّدبُّر والتَّفهُّم، وذلك أنَّ المستمع أقوى على التَّدبُّر ونفسُه أخلى وأنشط لذلك / مِنْ نفس القارئ لأنَّه في شغلٍ بالقراءة وأحكامها، وأمَّا قراءته ◙ على أُبيٍّ كما سلف ليمتاز بذلك وليأخذه أُبيٌّ مِنْ فيه فلا يخالجه شكٌّ في اختلاف القراءة مِنَ الشَّارع بعده، وذلك إنَّما خاف عليه الفتنة في هذا الباب لأنَّه لا يجوز أن يكون أحدٌ أقرأَ للقرآن مِنَ الشَّارع، ولا أوعى له وأعلم به، لأنَّه نزل به الرُّوح الأمين عليه، قاله الخَطَّابيُّ.
          وَقَالَ أبو بكرٍ بن الطَّيِّب نحوه قَالَ: قرأ الشَّارع على أُبيٍّ وهو أعلم منه وأحفظ ليأخذ أُبيٌّ نمطَ قراءته وسنَّتَه ويحتذي حذوَه، وقد رُوي هذا التَّأويل عن أُبيٍّ وابنه.
          فصلٌ: وفي قوله: (حَسْبُكَ) جواز قطع القراءة على القارئ إذا حدث على المقرئ عذرٌ أو شغلٌ لأنَّ القراءة على نشاط المقرئ أولى لتدبُّر معاني القرآن وتفهُّم عجائبه، ويُحتمل أن يكون أمرُه بقطع القراءة تنبيهًا له على الموعظة والاعتبار في قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} الآية، ألا ترى أنَّه ◙ بكى عندها، وبكاؤه إشارةٌ منه إلى معنى الموعظة لأنَّه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة وشدَّة الحال الدَّاعية له إلى شهادته لأمِّته بتصديقه والإيمان به، وسؤاله الشَّفاعة لهم ليريحهم مِنْ طول الموقف وأهواله، وهذا أمرٌ يحقُّ له طول البكاء والحزن.