عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: إني فرطكم على الحوض
  
              

          6583- 6584- (ص) حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ مُطَرِّفٍ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ☺ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ».
          -قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاش فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ مِنْ سَهْلٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ وَهْوَ يَزِيدُ فِيهَا: «فَأَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، / فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سُحْقًا بُعْدًا، يُقَالُ: سَحِيقٌ: بَعِيدٌ، سَحَقَهُ وَأَسْحَقَهُ: أَبْعَدَهُ.
          (ش) (مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ) بِضَمِّ الميم وفتح الطاء المُهْمَلة وتشديد الراء المكسورة وبالفاء، أبو غَسَّان اللَّيثيُّ المَدَنِيُّ، نزل عَسقلان، و(أَبُو حَازِمٍ) بالحاء المُهْمَلة والزاي، سَلَمة بن دينارٍ الأعرج، و(سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ) ابن مالكٍ الساعديُّ الأنصاريُّ.
          قوله: (إِنِّي فَرَطُكُمْ) ويُروى: <أنا فَرَطكم>، و(الْفَرَط) بفتحتين: الذي يتقدَّم الوارِدين ليُصلِح لهم الحياض، وقد مرَّ عن قريبٍ.
          قوله: (وَيَعْرِفُونِي) ويُروى: <ويعرفونَني> على الأصل.
          قوله: (يُحَالُ) على صيغة المجهول، مِن حال بين الشيئين؛ إذا منع أحدهما مِنَ الآخر.
          قوله: (لَسَمِعْتُهُ) اللَّام فيه للتأكيد.
          قوله: (وَهُوَ يَزِيدُ فِيهَا) أي: والحال أنَّهُ يزيد في هذه المقالة، والذي زاده هو قوله: (فَأَقُولُ...) إلى قوله: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ).
          قوله: (سُحْقًا) أي: بُعدًا، وكُرِّر للتأكيد، وهو نصب على المصدر، وهذا مُشْعِرٌ بأنَّهم مرتدُّون عَنِ الدِّين؛ لأنَّه يَشفَع للعُصاة ويهتمُّ بأمرهم، ولا يقول لهم مثل ذلك.
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) أي: عبد الله بن عَبَّاس.
          وهذا التعليق وصله ابنُ أبي حاتم مِن رواية عليِّ بن أبي طلحة عنه بلفظه.
          قوله: (يُقَالُ: سَحِيْقٌ) أي: (بَعِيدٌ) مِن كلام أبي عُبَيدة في تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}[الحج:31] ومنه النخلة السَّحوق: الطويلة.
          قوله: (سَحَقَهُ وَأَسْحَقَهُ: أَبْعَدَهُ) ثبت هذا في رواية الكُشْميهَنيِّ، وأشار به إلى أنَّ معنى (سَحَقَهُ) الذي هو ثلاثيٌّ ومعنى (أَسْحَقَهُ) الذي هو المزيد فيه بمعنًى واحدٍ، وهو (أَبْعَدَهُ) وهذا أيضا مِن كلام أبي عُبَيدة.