عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الرجاء مع الخوف
  
              

          ░19▒ (ص) باب الرَّجَاءِ مَعَ الْخَوْفِ.
          (ش) أي هذا بابٌ في بيان استحباب الرجاء مع الخوف، فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف، ولا في الخوف عن الرجاء؛ لئلَّا يُفضيَ في الأَوَّل إلى الكِبر، وفي الثاني إلى القنوط، وكلٌّ منهما مذمومٌ، والمقصود مِنَ الرجاء أنَّ مَن وقع منه تقصيرٌ فليُحسِن ظنَّه بالله، ويرجو أن يمحوَ عنه ذنبه، وكذا مَن وقع منه طاعةٌ يرجو قَبولَها، وأَمَّا مَنِ انهمك على المعصية راجيًا عدم المؤاخذة بغير ندمٍ ولا إقلاعٍ؛ فهذا غرورٌ في غرورٍ، وقد أخرج ابن ماجة مِن طريق عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن وَهْبٍ، عن أبيه، عن عائشة: قُلْت: يا رسول الله؛ الذين يؤتون وقلوبهم وجلةٌ، أهو الذي يسرق ويزني؟ قال: «لا، ولكن الذي يصوم ويتصدَّق ويصلِّي ويخاف ألَّا يُقبَل منه».
          (ص) وَقَالَ سُفْيَانُ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ: {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}[المائدة:68].
          (ش) (سُفْيَان) هذا هو ابن عُيَينة وأَوَّل الآية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ}[المائدة:68] وإِنَّما كان أشدَّ؛ لأنَّه يستلزم العلم بما في الكتب الإلهيَّة والعمل بها، وقد مرَّ في (تفسير سورة المائدة)، وقيل: الأخوف [هو قوله تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[آل عِمْرَان:131] وقيل: هو {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[المائدة:63] وقيل: أخوف] آيةٍ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[النساء:123]
          فَإِنْ قُلْتَ: ما وجه مناسبة الآية بالترجمة؟
          قُلْت: مِن حيث إنَّ الآية تدلُّ على أنَّ مَن لم يعمل بما تضمَّنه الكتاب الذي أُنْزِل عليه لم يحصل له النجاة، ولا ينفعه رجاؤه مِن غير عمل ما أُمِر به.