عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما قدم من ماله فهو له
  
              

          ░12▒ (ص) باب مَا قَدَّمَ مِنْ مَالِهِ فَهْوَ لَهُ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ حال مَن قَدَّم _أي: الإنسان المكلَّف_ مِن ماله؛ فهو له، يجدُ ثوابَه يوم القيامة، والمراد بـ(التقديم) صرفُ ماله قبل موته في مواضع القُرُبات، وهذه الترجمة مع حديثِ الباب تدلُّ على أنَّ إنفاق المال في وجوه البرِّ أفضلُ مِن تركه لورثته.
          فَإِنْ قُلْتَ: هذا يعارضُ قوله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لسعدٍ ☺ : «إنَّك أن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ مِن أن تتركهم عالةً يتكفَّفون الناس».
          قُلْت: لا تعارض بينهما؛ لأنَّ سعدًا أراد أن يتصدَّق بماله كلِّه في مرضه، وكان وارثه بنته، ولا طاقة لها على الكسب، فأمره أن يتصدَّق منه بثلثه، ويكون باقيه لابنته وبيت المال، وحديث الباب إِنَّما خاطب به أصحابه في صحَّتهم، وحرَّضهم على تقديم شيء مِن مالهم؛ لينفعهم يوم القيامة، وليس المراد منه أنَّ تقديم جميع مالِه عند مرضه، فإنَّ ذلك تحريمٌ للورثة وتركهم فقراء يسألون الناس، وإِنَّما الشارع جعلَ له التصرُّف في ماله بالثلث فقط، والله أعلم.