عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: من بلغ ستين سنةً فقد أعذر الله إليه في العمر
  
              

          ░5▒ (ص) باب مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَقَدْ أَعْذَرَ اللهُ إِلَيْهِ فِي الْعُمُرِ؛ لِقَوْلِهِ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}؟ [فاطر:37] يَعْنِي: الشَّيْبَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ حال مَن بلغ ستِّين سنة مِنَ العمر.
          قوله: (فَقَدْ أَعْذَرَ اللهُ إِلَيْهِ) أي: أَزَال الله عذره، فلا ينبغي له حينئذٍ إلَّا الاستغفار والطاعة والإقبال إلى الآخرة بالكُلِّيَّة، ولا يكون له على الله بعد ذلك حجَّة، فالهمزة في (أَعْذَرَ) للسَّلْب، وحاصل المعنى: أقام الله عذرَه في تطويل عمره وتمكينه مِنَ الطاعة مُدَّة مديدة، واحتجَّ في ذلك بقوله ╡ : {أَوْ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ}؟ الآية.
          قوله: (يَعْنِي: الشَّيْبَ) لم يثبت إلَّا في رواية أبي ذرٍّ وحده.
          قوله: ({أَوْ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ}) قال الزَّمَخْشَريُّ: هذا توبيخٌ مِنَ الله؛ يعني: فيقول لهم، وهو متناول لكلٍّ عمرٍ تمكَّن فيه المُكَلَّفُ مِن إصلاح شأنه وإن قَصُر، إلَّا أنَّ التوبيخ في المتطاوِل أعظم انتهى، واختلفوا في المراد بالتعمير في الآية على أقوال؛ فعَن مسروقٍ: أنَّهُ أربعون سنة، وعن مجاهدٍ عن ابن عَبَّاسٍ: ستٌّ وأربعون سنة، وعن ابن عَبَّاسٍ: سبعون سنة، وعن سهل بن سعدٍ: ستُّون سنة، وعَن أبي هُرَيْرَة: مَن عمَّر ستِّين سنة أو سبعين سنة؛ فقد أعذر الله إليه في العمر.
          قوله: ({وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}) اختلفوا فيه؛ فقيل: الرسولُ، وعن زيد بن عليٍّ: القرآن، وعن عِكْرِمَة وسفيان بن عُيَيْنَةَ ووكيع: الشَّيْبُ، وهو الأصحُّ.