عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: المكثرون هم المقلون
  
              

          ░13▒ (ص) بابُ الْمُكْثِرُونَ هُمُ الْمُقِلُّونَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكَر فيه: (المُكْثِرُون هُمُ [المُقِلُّونَ) كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية الكُشْميهَنيِّ: <هم] الأقلُّون> / ووقع في رواية أبي ذرٍّ: <المكثرون هم الأخسَرون> ومعناه: المكثرون مِنَ المال هُمُ المقلُّون في الثواب؛ يعني: كثرة المال تَؤول بصاحبه إلى الإقلال مِنَ الحسنات يوم القيامة [إذا لم ينفقه في طاعة الله تعالى، فإن أنفقه فيها كان غنيًّا مِن الحسنات يومَ القيامة].
          (ص) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود:15-16]
          (ش) سِيقَتْ هاتان الآيتانِ بتمامهما في رواية الأصيليِّ وكريمة، وفي رواية أبي ذرٍّ: <{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآيتان>، وفي رواية أبي زيدٍ بعد قوله: {وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} <الآية> ومثله للإسماعيليِّ، لكن قال: <إلى قوله: {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}>.
          قوله: ({مَنْ كَانَ}...) إلى آخره، على عمومها في الكفَّار، وفي مَن يُرائي بعمله مِنَ المسلمين، وقال سعيد بن جُبَير: الآية فيمَن عمِلَ عملًا يريد به غيرَ الله جُوزِيَ عليه في الدنيا، وعَن أنسٍ: هم اليهود والنصارى، إن أعطَوا سائلًا أو وصلوا رحمًا؛ عَجَّل لهم جزاء ذلك بتوسعةٍ في الرزق، وصحَّة في البدن، وقيل: هم الذين جاهدوا مِنَ المنافقين مع رسول الله صلعم ، فأسهم لهم مِنَ الغنائم، وقال الضَّحَّاك: يعني: المشركين إذا عملوا عملًا جُوزوا عليه في الدنيا، وهذا أبينُ؛ لقوله تعالى: ({أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ}).
          قوله: ({نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ}) أي: نوصِل إليهم أجورَ أعمالهم كاملة وافية، وهو مِنَ التوفية، وقَرِئَ: {يُوفِّ} بالياء على أنَّ الفعل لله، وبالياء على صيغة المجهول، و{نُوفِي} بالتخفيف وإثبات الياء.
          قوله: ({فِيهَا}) أي: في الدنيا.
          قوله: ({لَا يَبْخَسُونَ}) مِنَ البَخْس؛ وهو النقص.
          قوله: ({وَحَبِطَ}) أي: بَطَل، يقال: حَبِطَ عمله يحبَط، وأحبطه غيرُه، ومعنى (حبِط عملُهم) ليس له ثوابٌ؛ لأنَّهم لم يريدوا به الآخرة.
          قوله: ({وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا}) أي: عملُهم في نفسه باطلٌ، وقُرِئَ: {وبَطَلَ} على الفعل، وعن عاصم: {وباطلًا} بالنصب.