عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن
  
              

          6579- (ص) حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا».
          (ش) (سَعِيدٌ) ابْنُ مُحَمَّد بن الحكَم (ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ) الجُمَحِيُّ المصريُّ، و(نَافِعُ بْنُ عُمَرَ) الجُمَحِيُّ المَكِّيُّ، و(ابْنُ أَبِي مُلَيْكَة) عَبد الله بن عُبَيد الله بن أبي مُلَيكة، التَّيميُّ المَكِّيُّ، يروي عن (عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو) ابن العاص.
          والحديث أخرجه مسلم أيضًا في (الحوض) عن داود بن عَمْرو عَن نافعٍ به.
          قوله: (حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ) وفي رواية مسلم: (مسيرة شهر وزواياه سواء).
          قوله: (مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ) قال المازريُّ: مقتضى كلام النُّحاة أن يقال: أشدُّ بياضًا، ولا يقال: أبيض مِن كذا، ومنهم مَن أجازه في الشِّعر، ومنهم مَن أجازه بِقِلَّة، ويشهد له هذا الحديثُ وغيره، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون ذلك مِن تصرُّف الرواة، فقد وقع في رواية أبي ذرٍّ عند مسلمٍ بلفظ: أشدُّ بياضًا مِنَ اللبن انتهى.
          قُلْت: القولُ بأنَّ هذا جاء مِنَ النَّبِيِّ صلعم أَولى مِن نسبة الرواة إلى الغَلَط على زعم النُّحاة، واستشهاده لذلك برواية مسلمٍ لا يفيده؛ لأنَّه لا مانعَ أن يكون النَّبِيُّ صلعم استعمل (أفعَل) التفضيل مِنَ اللون، فيكون حجَّة على النُّحاة.
          قوله: (وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ) عند التِّرْمِذيِّ مِن حديث ابن عمر: أطيب ريحًا مِنَ المسك، وعند ابن حِبَّان في حديث أبي أمامة: أطيب رائحةً، وزاد ابنُ أبي عاصم وابنُ أبي الدنيا في حديث بُرَيدة: وألين مِنَ الزُّبد، وزاد مسلمٌ في حديث أبي ذرٍّ وثوبان: وأحلى مِنَ العسل، وزاد أحمد في حديث ابن عُمر ومِن حديث ابن مسعودٍ: وأبرد مِنَ الثلج، وعند التِّرْمِذيِّ في حديث ابن عمر: وماؤه أشدُّ بردًا مِنَ الثلج.
          قوله: (وَكِيزَانُهُ) جمع (كوز) (كَنُجُومِ السَّمَاءِ) الظاهر: أنَّ التشبيه في العدد، ويحتمل أن يكون في الضياء، وعند مسلم مِن حديث ابن عمر: فيه أباريق كنجوم السماء.
          قوله: (مَنْ شَرِبَ مِنْهَا) أي: مِنَ الكيزان، وفي رواية الكُشْميهَنيِّ: <مَن شرب منه> أي: مِنَ الحوض.
          قوله: (فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا) أي: فلا يعطش أبدًا، وزاد ابن أبي عاصم في حديث أُبَيِّ بن كعبٍ: «ومَن صرف عنه لم يَرْوَ أبدًا».