عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى {يا أيها الناس إن وعد الله حق}
  
              

          ░8▒ (ص) باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ. إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر:5-6].
          (ش) أي: هذا بابٌ في قول الله تعالى:... إلى آخره، وفي رواية كريمةَ هكذا سِيقت الآيتان المذكورتان، وفي رواية أبي ذرٍّ هكذا: <{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} الآية إلى قوله: {السَّعِيرِ}>.
          قوله ({إِنَّ وَعْدَ اللهِ}) أي: بالبعث والثواب والعقاب.
          قوله: ({وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ}) وهو أن يغترَّ بالله، فيعملُ المعصية ويتمنَّى المغفرة، ويقال: {الغَرُورُ} الشيطان، وقد نهى الله عَنِ الاغترار به، وبيَّن لنا عداوته؛ لئلَّا نلتفتَ إلى تسويله وتزيينِه لنا الشهوات المُردِيَة.
          قوله ({فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}) أي: أنزِلوه مِن أنفسكم مَنزلةَ الأعداء، وتَجنَّبوا طاعته.
          قوله: ({إِنَّما يَدْعُو حِزْبَهُ}) أي: شيعتَه إلى الكفر.
          قوله: ({لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}) أي: النار.
          (ص) جَمْعُهُ سُعُرٌ.
          (ش) أي: جمع {السَّعِيرِ} (سُعُرٌ) على وزن / (فُعُل) بضمَّتين، و(السَّعير) على وزن (فَعيل) بمعنى (مفعول) مِنَ (السَّعْر) بفتح السين وسكون العين، وهو التهابُ النار.
          (ص) قَالَ مُجَاهِدٌ: {الْغَرُورُ} الشَّيْطَانُ.
          (ش) أثر مجاهد هذا لم يثبت هنا إلَّا في رواية الكُشْميهَنيِّ وحده، ووصله الفِرْيَابيُّ في «تفسيره» عَن وَرْقاء، عَن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عَن مجاهدٍ، وهو تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ}[فاطر:5] وهو على وزن (فَعول) بمعنى (فاعِل)، تقول: غَرَرْتُ فلانًا: أصبتَ غرَّته ونِلتَ ما أردت منه، و(الْغِرَّة) بالكسر: غَفلةٌ في اليقظة، و(الغَرُور) كلُّ ما يغرُّ الإنسان، وإِنَّما فُسِّر بـ(الشَّيْطَانُ) لأنَّه رأس ذلك.