عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}
  
              

          ░21▒ (ص) بَابٌ: / {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق:3]
          (ش) أي: هذا بابٌ مُتَرْجَمُ بقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق:3] وأصل التوكُّل مِن الوكول، يقال: وَكَلَ أمرَه إلى فلانٍ؛ أي: التجأ إليه واعتمد عليه، والتوكُّل: تفويض الأمر إلى الله، وقطع النظر عن الأسباب، وليس التوكُّل ترك السبب والاعتماد على ما يجيء مِنَ المخلوقين؛ لأنَّ ذلك قد يجرُّ إلى ضدِّ ما يُرَاد مِنَ التوكُّل، وقد سُئِل الإمام أحمد ☼ عن رجلٍ جلس في بيته أو في مسجدٍ، وقال: لا أعمل شيئًا حَتَّى يأتيني رزقي؟ فقال: هذا رجلٌ جهل العلم، فقد قال النَّبِيُّ صلعم : «إنَّ الله جعل رزقي تحت ظلِّ رمحي» وقال: «لو توكَّلتم على الله حقَّ توكُّله لرُزِقْتُم كما يُرزَق الطيرُ، تغدو خماصًا وتروح بطانًا»، فذكر أنَّها تغدو وتروح في طلب الرزق، قال: وكانت الصحابة ♥ يتَّجرون ويعملون في نخيلهم، والقُدوةُ بهم.
          (ص) وَقَالَ الرَّبِيعُ بنُ خُثَيْمٍ: مِنْ كُلِّ مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ.
          (ش) (الرَّبِيعُ) بفتح الراء وكسر الباء المُوَحَّدة (ابن خُثَيْمٍ) بِضَمِّ الخاء المُعْجَمة وفتح الثاء المُثَلَّثة وسكون الياء آخر الحروف، الثَّوْريُّ الكوفيُّ، مِن كبار التَّابِعينَ، صحب ابن مسعودٍ ☺ ، وكان يقول له: لو رآك رسولُ الله صلعم لأحبَّك، رواه أحمد في «الزهد» بسندٍ جَيِّدٍ.
          قوله: (مِنْ كُلِّ مَا ضَاقَ) أراد: مَن يتوكَّل على الله فهو حسبه مِن كلِّ ما ضاق على الناس، وقال الكَرْمانيُّ: «مِن كلِّ ما ضاق» يعني: التوكُّل على الله عامٌّ مِن كلِّ أمرٍ مُضيَّقٍ على الناس؛ يعني: لا خصوصيَّة في التوكُّل في أمرٍ، بل هو جارٍ في جميع الأمور التي تضيق على الناس.