عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: في الحوض
  
              

          ░53▒ (ص) بابُ فِي الْحَوْضِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في ذكر حوض النَّبِيِّ صلعم .
          و(الحَوْض) الذي يجمع فيه الماء، ويُجمَع على (أَحْواض) و(حِياض)، والأحاديث التي وردت فيه كثيرة بحيث صارت متواترةً مِن جهة المعنى، والإيمانُ به واجبٌ، وهو الكوثر على باب الجنَّة، يُسقى المؤمنون منه، وهو مخلوقٌ اليوم، وقال القرطبيُّ في «التذكرة»: ذهب صاحبُ «القوت» وغيره إلى أنَّ الحوض يكون بعد الصراط، وذهب آخرون / إلى العكس، والصحيح أنَّ للنبيِّ صلعم حوضين؛ أحدُهما في الموقف قبل الصراط، والآخر داخل الجنَّة، وكلٌّ منهما يسمَّى كَوثرًا، وفي بعض النُّسَخ: <كتابٌ في الحوض> وقبله البَسْمَلة.
          (ص) وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[الكوثر:1].
          (ش) (وَقَوْلِ اللهِ) بالجرِّ عطفًا على قوله (في الحَوضِ).
          ({الكَوْثَر}) (فَوْعَل) مِنَ الكثرة، والعرب تسمِّي كلَّ شيء كثير في العدد أو القدر والخطر كوثرًا، وعن سفيان بن عُيَيْنَةَ: قيل لعجوز آبَ ابنُها مِنَ السفر: بما آبَ ابنك؟ قالت: آبَ بكوثر؛ يعني: بمالٍ كثير، وهو اسمٌ لحوض النَّبِيِّ صلعم كما ذكرناه، وعن أنسٍ ☺ في ذكر الكوثر: «هو حوضٌ ترِدُ عليه أمَّتي» وقد اشتُهِرَ اختصاصُ نبيِّنا صلعم بالحوض، لكن أخرج التِّرْمِذيُّ مِن حديث سَمُرة رفعه: «إنَّ لكلِّ نبيٍّ حوضًا» وقال: اختُلِفَ في وصله وإرساله، وإنَّ المرسل أصحُّ، والمرسَل أخرجه ابن أبي الدنيا بسندٍ صحيح عَن الحسن ☺ قال: قال رسول الله صلعم : «إنَّ لكلِّ نبيٍّ حوضًا، وهو قائمٌ على حوضه بيده عصًا، يدعو مَن عرف مِن أمَّته، ألا وإنَّهم يتبَاهَون أيُّهم أكثر تبعًا، وإنِّي لأرجو أن أكون أكثَرَهم تبعًا»، وأخرجه الطبرانيُّ مِن وجه آخر عَن سَمُرة موصولًا مرفوعًا، وفي إسناده لينٌ، فإن ثبت فالمختصُّ بنبيِّنا صلعم الكوثرُ الذي يُصَبُّ مِن مائه في حوضه، فَإِنَّهُ لم يُنقل نظيرُه لغيره، وقد امتنَّ الله ╡ عليه به في السورة المذكورة.
          وقد أنكر الحوض الخوارجُ وبعض المعتزلة، وممَّن كان ينكره عُبيد الله بن زياد أحدُ أمراء العراق، وهؤلاء ضلُّوا في ذلك، وخرقوا إجماع السلف، وفارقوا مذهب أئِمَّة الخلف.
          ورُوِيَتْ أحاديث الحوض عَن أكثر مِن خمسين صحابيًّا؛ منهم: ابن عمر، وأبو سعيد، وسهل بن سعد، وجُنْدب، وأمُّ سلمة، وعقبة بن عامر، وابن مسعودٍ، وحُذَيفة، وحارثة بن وَهْب، والمستورِد، وأبو ذرٍّ، وثوبان، وأنس، وجابر بن سَمُرة _فهؤلاء أخرج عنهم مسلمٌ_ وأبو بكر الصِّدِّيق، وزيد ابن أرقم، وأبو أمامة، وعبد الله بن زيد، وسُوَيد بن جَبَلة، وعبد الله الصُّنابِحيُّ، والبراء بن عازب، وأسماء بنت أبي بكرٍ، وخولة بنت قيس، وابن عَبَّاس، وكعب بن عجرة، وبريدة، وأبو الدَّرْدَاء، وأُبَيُّ بْنُ كعب، وأسامة بن زيد، وحُذَيفة بن أسيد، وحمزة بن عبد المطلب، ولَقيط بن عامر، وزيد بن ثابت، والحسن بن عليٍّ، وأبو بكرة، وخولة بنت حكيم.
          وحديث أبي بكرٍ عند أحمد وأبي عَوَانَة، وحديث زيد بن أرقَمَ عند البَيْهَقيِّ وغيره، وحديث أبي أمامة عند ابن حِبَّان وغيره، وحديث عبد الله بن زيد عند البُخَاريِّ، وحديث سويد بن جَبَلة عند أبي زُرْعَةَ الدِّمَشْقيِّ في «مسنده»، وحديث عبد الله الصُّنابِحيِّ عند أحمد وابن ماجه، وحديث البراء بن عازب [...]، وحديث أسماء بنت أبي بكر ☻ عند البُخَاريِّ، وحديث خولة بنت قيس عند الطبرانيِّ، وحديث ابن عَبَّاسٍ عند البُخَاريِّ، وحديث كعب بن عُجرة عند التِّرْمِذيِّ والنَّسائيِّ، وحديث بُريدة عند ابن أبي عاصم، وأحاديث أُبَيِّ بْنِ كعب ومَن ذُكِر معه إلى خولة بنت حكيم كلُّها عند ابن أبي عاصم.
          وعِرباض بن سارية عند ابن حِبَّان، وأبو مسعودٍ البدريُّ وسلمان الفارسيُّ وسمرة بن جُنْدب وعُتْبة بن عَبْدٍ، ومِن عِرباض إلى عُتْبة بن عَبْدٍ عند الطبرانيِّ، وخَبَّاب بن الأرتِّ عند الحاكم، والنَّوَّاس بن سَمْعان عند ابن أبي الدنيا، وعبد الرَّحْمَن بن عوف عند ابن مَنْدة، وعثمان بن مظعون عند ابن كثير في «نهايته»، ومعاذ بن جبل ولَقيط بن صَبْرة عند ابن القيِّم في «الحادِي»، وجابر بن عبد الله عند أحمد والبَزَّار، وعُمر وعائذ بن عَمْرو وأبو برزة وأخو زيد بن أرقم _ويقال: إنَّ اسمه ثابت_ عند أحمد.
          (ص) وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : «اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ».
          (ش) (عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ) ابن عاصم المازنيُّ، / وهذا التعليق وصله البُخَاريُّ بحديثٍ طويل في (غزوة حُنَين).