إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل

          4452- 4453- 4454- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ) بضم الموحدة، قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بنُ سعد الإمام (عَنْ عُقَيْلٍ) بضم العين، ابنُ خالدٍ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد(1) الزُّهريِّ، أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبُو سَلَمَةَ) بنُ عبدِ الرَّحمن بنِ عوفٍ: (أَنَّ عَائِشَةَ) ♦ (أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ☺ ) لمَّا توفِّي رسول الله صلعم (أَقْبَلَ) حال كونه راكبًا (عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ) أي: مسكنِ زوجتهِ بنت خارجة، وكان ╕ أذنَ له في الذَّهاب إليها (بِالسُّنْـُحِ) بضم السين المهملة بعدها نون ساكنة وبضمها فحاء مهملة، من عوالي المدينةِ من منازلِ بني الحارثِ بنِ الخزرج (حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ المَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَتَيَمَّمَ) أي: قصد (رَسُولَ اللهِ صلعم وَهْوَ مُغَشًّى) بضم الميم وفتح الغين والشين المشددة المعجمتين، أي: مغطَّى (بِثَوْبِ حِبَرَةٍ) بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة، وإضافة «ثوب» إليه، وبتنوين «ثوب» فـ: «حبرة» صفة، وهو من ثيابِ اليمن (فَكَشَفَ) الثَّوب (عَنْ وَجْهِهِ) الشَّريف (ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَبَكَى).
          (ثُمَّ قَالَ): أفديك (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَاللهِ لَا يَجْمَعُ اللهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ) قيل: هو على حقيقتهِ، وأشارَ بذلك إلى الردِّ على من زعمَ أنَّه سيَجيء(2) فيقطع أيدِي رجالٍ؛ لأنَّه لو صحَّ ذلك للزِمَ أن(3) يموتَ موتةً أُخرى، فأخبرَ أنَّه أكرمُ على اللهِ من أن يجمعَ عليه موتتينِ، كما جمعَهُما على غيرِه كـ {الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ}[البقرة:243] و{كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}[البقرة:259] وهذا أوضحُ الأجوبَةِ وأسلمُهَا. وقيل: أرادَ لا(4) يموتُ موتةً أُخرى في القبر كغيرِهِ؛ إذ يحيَا ليُسْأل ثمَّ يموتُ، وهذا جوابُ الدَّاودِيِّ. وقيل: كَنَّى بالموتِ الثَّاني عن الكربِ؛ إذ لا يلقى بعد كربِ هذا الموتِ(5) كربًا آخرَ، وأغربَ من قال: المرادُ بالموتةِ الأخرى موتُ الشَّريعةِ، أي: لا يجمعُ اللهَ عليكَ موتكَ وموتَ شريعتِكَ، ويؤيِّدُ هذا القول قولُ أبي بكرٍ بعد ذلك في خطبتهِ: «من كان يعبدُ محمَّدًا فإن محمَّدًا قد ماتَ، ومن كان يعبدُ الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت» (أَمَّا المَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا).
          (قَالَ الزُّهْرِيُّ) محمَّد بنُ مسلمِ ابنِ شهابٍ، بالسَّند المذكور: (وَحَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبُو سَلَمَةَ) بنُ عبدِ الرَّحمن (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ) سقطَ قوله‼ «قالَ الزُّهريُّ» وقولهُ ”عبدُ الله“ لأبي ذرٍّ (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ) الصِّدِّيقَ (خَرَجَ) أي: من عندِ النَّبيِّ صلعم (وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يُكَلِّمُ النَّاسَ) يقول لهم: ما ماتَ رسولُ الله صلعم . وعندَ ابنِ أبي شيبةَ، أنَّ أبا بكرٍ مرَّ بعمر وهو يقولُ: ما ماتَ رسولُ الله صلعم ، ولا يموتُ حتَّى يقتُلَ الله المنافقينَ. قال: وكانُوا أظهَرُوا الاستبشَارَ ورفعُوا رؤوسَهُم (فَقَالَ) أبو بكرٍ له: (اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”عليهِ“ (وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا بَعْدُ، مَنْ) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ ”فَمَن“ (كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صلعم ) سقطَتِ التَّصلية لأبي ذرٍّ (فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. قَالَ اللهُ) تعالى: ({وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ}) مضت ({مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إِلَى قَوْلِهِ: {الشَّاكِرِينَ}[آل عمران:144] وَقَالَ) ابنُ عبَّاس: (وَاللهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ إِلَّا يَتْلُوهَا).
          وعندَ أحمد من روايةِ يزيد بن بابنُوْس _بالموحدتين بينهما ألف ثم نون مضمومة فواو ساكنة فمهملة(6)_ عن عائشةَ: أنَّ أبا بكرٍ حمدَ الله وأثنى عليهِ، ثمَّ قال: إنَّ الله يقول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}[الزمر:30] حتَّى فرغَ من الآيةِ، ثمَّ تلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} الاية[آل عمران:144]. وقال فيه: قال عمر: أو إنَّها في كتابِ الله؟! ما شعرتُ أنَّها في كتابِ الله. وزادَ ابنُ عمر _عندَ ابنِ أبي شيبةَ_: فاستبشَرَ المسلمونَ، وأخذتِ المنافقينَ الكآبةُ. قال ابنُ عمر: فكأنَّما كانت على وجوهِنَا أغطيةٌ فكشفَتْ.
          قال الزُّهريُّ / _بالسَّند السَّابق_: (فَأَخْبَرَنِي(7)) بالإفراد (سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ) ☺ (قَالَ: وَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا) أي: آية آل عمران (فَعَقِرْتُ) بفتح العين وكسر القاف وسكون الراء، أي: دُهِشْت وتحيَّرت، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”فعُقرت“ بضم العين، أي: هلكْتُ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”فقُعرتُ“ بتقديم القاف المضمومة على العين. قال ابنُ حجرٍ: وهي خطأ (حَتَّى مَا تُقِلُّنِي) بضم الفوقية وكسر القاف وتشديد اللام المضمومة، أي: ما تحمِلُني (رِجْلَايَ، وَحَتَّى أَهْوَيْتُ) سقطْتُ (إِلَى الأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا: أَنَّ النَّبِيَّ) ولأبي ذرٍّ ”علمتُ أنَّ النَّبيَّ“ ( صلعم قَدْ مَاتَ) وفيه دلالةٌ على شجاعةِ الصِّدِّيق، فإنَّ الشَّجاعةَ حدُّهَا ثبوتُ القلبِ عندَ حُلولِ المصائبِ، ولا مصيبة أعظَم من موتِ النَّبيِّ صلعم ، فظهرَتْ عندهُ شجاعتُهُ وعلمُهُ.


[1] في (س) زيادة: «ابن مسلم».
[2] في (س): «سيحيا».
[3] «أن»: ليست في (ب).
[4] في (د): «أراد أن».
[5] في (ص): «اليوم».
[6] قد ساق في (س) هذا الضبط ضمن النص ولا وجود له في (د) وغيرها، والله أعلم.
[7] في (د): «حدثني».