إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ائتوني أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده أبدًا

          4431- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بنُ سعيدٍ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) ولأبي ذرٍّ ”ابن عُيينة“ بدل «سفيان»(1) (عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) أنَّه (قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ : (يَوْمُ الخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ؟!) برفع «يومُ» خبرُ مبتدأ محذوف، ومرادهُ التَّعجُّب من شدَّةِ الأمرِ وتفخيمهِ، ولمسلمٍ: «ثمَّ جعلَ تسيلُ دموعهُ حتَّى رأيتُها على خدِّيهِ كأنَّها نِظامُ اللؤلؤِ» (اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صلعم وَجَعُهُ فَقَالَ: ائْتُونِي) زاد في «العلم»[خ¦114] بكتابٍ، أي: بأدواتِ الكتابِ كالدَّواةِ والقلمِ، أو ما يكتبُ فيه كالكاغدِ (أَكْتُبْ لَكُمْ) بالجزمْ جواب الأمر، والرفع على الاستئنافِ، أي: آمر من يكتبُ لكم (كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا) منصوبٌ بحذف النون، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”لا تضلُّون“ (بَعْدَهُ أَبَدًا، فَتَنَازَعُوا) فقال بعضهم: نكتبُ لِمَا فيهِ من امتثالِ الأمرِ وزيادةِ الإيضاحِ. وقال عمر ☺ : حسبُنَا كتابُ اللهِ، فالأمرُ ليس للوجوبِ بل للإرشادِ إلى الأصلَحِ (وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ) قيل: هذا مدرجٌ من قولِ ابنِ عبَّاس، ويردُّه قوله ╕ في «كتاب العلم» في: «باب كتابة العلم» [خ¦114] «ولا ينبغي عندي التَّنازع» (فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ، أَهَجَرَ؟) بإثبات همزة الاستفهام وفتح الهاء والجيم والراء، ولبعضِهِم ”أهُجْرًا“ بضم الهاء وسكون الجيم والتنوين، مفعولًا بفعل مضمرٍ، أي: قال هُجْرًا _بضم الهاء وسكون الجيم_ وهو الهذيانُ الذي يقعُ من كلامِ المريضِ الَّذي لا ينتظِمُ، وهذا مستحيلٌ وقوعه من المعصُومِ صحَّةً ومرضًا، وإنَّما قال ذلك من قاله منكرًا على من توقَّفَ في امتثالِ أمرهِ بإحضارِ الكتفِ والدَّواة، فكأنَّه قال: كيف تتوقَّف أتظنُّ أنَّه كغيره يقول الهذيان في مرضه؟! امتثلْ أمرَهُ وأحضرْ ما طلبَ، فإنَّه لا يقولُ إلَّا الحقَّ، أو المرادُ: أهجر؟ بلفظ الماضي من الهَجْرِ _بفتح الهاء وسكون الجيم_ والمفعول محذوف، أي: أهجر الحياةَ؟ وعبَّرَ بالماضِي مبالغةً لما رأى من علاماتِ الموتِ (اسْتَفْهِمُوهُ) بكسر الهاء(2) بصيغة الأمر، أي: عن هذا الأمرِ الذي أرادَهُ، هل هو الأولى أم لا؟ (فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ) أي: يعيدون عليه مقالتهُ ويستثبتونهُ فيها، وقد كانوا يراجعونَهُ في بعضِ الأمورِ قبل تحتُّمِ الإيجابِ، كما راجعوهُ‼ يومَ الحديبيَة في الحلاقِ وكتابة الصُّلحِ بينهُ وبينَ قريشٍ، فأمَّا إذا أمرَ بالشيءِ أمرَ عزيمة فلا يراجعهُ أحدٌ منهم، ولأبي ذرٍّ ”يردُّون(3) عنهُ“ أي: يردُّون عنه(4) القول المذكور على من قاله. (فَقَالَ) ╕ : (دَعُونِي) اتركُوني (فَالَّذِي أَنَا فِيهِ) من المشاهدة والتأهُّب للقاءِ الله ╡ (خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي) ولأبي ذرٍّ ”ممَّا(5) تدعونَنِي“ (إِلَيْهِ) من شأنِ كتابةِ الكتابِ (وَأَوْصَاهُمْ) صلعم في تلكَ الحالةِ (بِثَلَاثٍ) من الخصالِ (قَالَ) لهم: (أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ) بفتح الهمزة وكسر الراء (مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ) هي من عدن إلى العراقِ طُولًا، ومن جدَّةَ إلى الشَّامِ عرضًا. و«من» بيانيَّة(6) (وَأَجِيزُوا الوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ) أي: أعطوهُم، وكانت جائزةُ الواحدِ على عهدِهِ صلعم وقيَّة من فضَّةٍ، وهي أربعونَ درهمًا، فأمرَ بإكرامهِم / تطييبًا لقلوبهِم وترغيبًا لغيرِهم من المؤلَّفة (وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَ(7): فَنَسِيتُهَا) قيل: السَّاكت هو ابن عبَّاس، والنَّاسِي سعيدُ ابنُ جبير، لكن في «مستخرج أبي نُعيم»: قال سفيان: قال سليمان _أي: ابن أبي مسلم_: لا أدرِي أذكر سعيدُ بن جبير الثَّالثةَ فنسيتُها، أو سكتَ عنها، فهو الرَّاجِح(8)، وقد قيل: إن الثَّالثة هي الوصيَّةُ بالقرآنِ، أو هي تجهيزُ جيشِ أسامةَ؛ لقول أبي بكرٍ لمَّا اختلفُوا عليه في تنفيذِ جيشِ أسامةَ: إنَّ النَّبيَّ صلعم عهدَ إليَّ(9) بذلك عند موتهِ، أو قولهِ: «لا تتَّخِذُوا قَبرِي وثَنًا» فإنَّها ثبتت في «الموطأ» مقرونةً بالأمرِ بإخراجِ اليهود، أو هي ما وقعَ في حديثِ أنسٍ من قوله: «الصَّلاةَ وما مَلكَتْ أيمانُكُم».
          وهذا الحديث قد سبق في «العلم» [خ¦114] و«الجهاد» [خ¦3053].


[1] في اليونينية أنَّ رواية أبي ذر زيادة: «بنُ عيينة».
[2] في (د): «الهمزة».
[3] في (د): «يردونه».
[4] «أي يردون عنه»: ليست في (س).
[5] «مما»: ليست في (ص) و(م).
[6] «من بيانية»: ليست في (س).
[7] في (د): «وهو الراجح».
[8] «فهو الراجح»: ليست في (د).
[9] في (م): «إلى أبو بكر».