إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن

          4442- 4443- 4444- 4445- وبه قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ عُفَيْرٍ) بضم العين وفتح الفاء، هو سعيدُ بنُ كثيرِ بنِ عفيرٍ الأنصاريُّ مولاهُم البَصريُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد(1) (اللَّيْثُ) بنُ سعدٍ الإمامُ قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد أيضًا (عُقَيْلٌ) بضم العين، ابنُ خالدٍ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ، أنَّه قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عُبَيْدُ اللهِ) بضم العين (بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلعم ) سقطَ قوله «زوج النَّبيِّ صلعم ...» إلى آخره لأبي ذرٍّ، (قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ) وكان في بيت ميمونة (اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ) أي: يُتَعَهَّد ويُخْدَم(2) (فِي بَيْتِي) وكانت فاطمة ♦ هي الَّتي خاطبَتْ أمَّهات المؤمنينَ بذلك(3)، فقالتْ لهنَّ: إنَّه يشقُّ عليه الاختلاف. ذكره ابنُ سعدٍ بإسناد صحيح عن الزُّهريِّ (فَأَذِنَّ لَهُ) بتشديد النون (فَخَرَجَ) ╕ (وَهْوَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ) بنُ عبدِ الله بنِ عتبةَ بنِ مسعودٍ: (فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللهِ) بنَ عبَّاس (بِالَّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قَالَ) عبيد الله: (قُلْتُ) له: (لَا) أدري (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ) وثبتَ قوله: «ابنُ أَبي طَالبٍ» لأبي ذرٍّ (وَكَانَتْ) ولأبي ذرٍّ ”فكانَتْ“ «بالفاء» بدل: «الواو»، (عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صلعم ) سقطَ قوله(4) «زوجُ النَّبي...» إلى آخره لأبي ذرٍّ، (تُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم لَمَّا دَخَلَ بَيْتِي) وكان يوم الإثنين السَّابق ليومِ الإثنين الذي توفِّي فيه (وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ قَالَ: هَرِيقُوا) أي: صبُّوا (عَلَيَّ) الماءَ (مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ) بضم الفوقية وسكون الحاء المهملة(5) وفتح اللام الأولى مخفَّفة (أَوْكِيَتُهُنَّ) جمع وكاءٍ؛ وهو رِباطُ القربَةِ (لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ) أي: أوصِي (فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين‼، في إجَّانةٍ (لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلعم ، ثُمَّ طَفِقْنَا(6)) بكسر الفاء، جعلنا (نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ القِرَبِ) السَّبعُ (حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ) والحكمةُ في عددِ السَّبعِ _كما قيل_: أنَّ له خاصيَّة في دفعِ ضرَرِ السُّمِّ والسِّحرِ (قَالَتْ) عائشة: (ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى لَهُمْ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”بهم“ بالموحدة بدل اللام (وَخَطَبَهُمْ).
          روى الدَّارميُّ من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْري ☺ ، قال: خرجَ علينا رسولُ الله صلعم في مرضِهِ الَّذي ماتَ فيه ونحن في المسجِدِ، عاصِبًا رأسَهُ بخرقَةٍ، حتَّى أهوَى نحو المنبرِ فاستَوى عليه فاتَّبعناه. قال: «والَّذي نَفسِي بيدِهِ، إنِّي لأنظرُ إلى الحوضِ من مقامِي هذَا» ثمَّ قال: «إنَّ عبدًا عُرِضَت عليه الدُّنيا وزينتها فاختارَ الآخرةَ» قال: فلم يفطنْ لها غير أبي بكرٍ، فذرفَتْ عيناهُ فبكى، ثمَّ قال: بل نفديكَ بآبائِنَا وأمَّهاتنَا وأموالِنَا وأنفُسِنا يا رسولَ الله، ثمَّ هبطَ فما قامَ عليه حتَّى السَّاعة. والمرادُ بالسَّاعة: القيامة، أي: فما قامَ عليه بعد في حياتِهِ، ولمسلم من حديثِ جُندَُبٍ♣: أنَّ ذلك كان قبلَ موتِهِ بخمسٍ، ولعلَّهُ كان بعد حصولِ اختلافِهِم ولغطِهِم وقوله(7) لهم: «قوموا عنِّي» فوجد بعد ذلك خفَّةً فخرجَ.
          قال الزُّهريُّ _بالإسناد السَّابق_: (وَأَخْبَرَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ ”وأَخْبَرنَا“ (عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ / بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ ♥ ) سقطَ لأبي ذرٍّ لفظ «عبد اللهِ» الأخير (قَالَا: لَمَّا نَزَلَ) بفتح النون والزاي (بِرَسُولِ اللهِ صلعم ) المرضُ (طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً) بفتح الخاء المعجمة، ثوبَ خزٍّ أو ثوبَ صوفٍ (لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ) بالغين المعجمة الساكنة، أخذَهُ نَفَسُهُ من شدَّةِ الحرِّ (كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فقال وَهْوَ كَذَلِكَ: لَعْنَةُ اللهِ) ولغير أبي ذرٍّ ”عن وجههِ(8) وهو(9) يقولُ: لعنةُ اللهِ“ (عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) حال كونه ╕ (يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) من اتِّخاذِ المساجِدِ على القبورِ. قال البيضاويُّ: لمَّا كانت اليهودُ والنَّصارَى يسجدون لقبورِ الأنبياءِ تعظيمًا لشأنِهم، ويجعلونَهُم قبلةً يتوجَّهُون في الصَّلاةِ نحوها، واتَّخذوهَا أوثانًا؛ لعنهم ومنَعهُم عن مثلِ ذلك، فأمَّا(10) من اتَّخذَ مسجدًا في جوارِ صالحٍ وقصدَ التَّبرُّك بالقربِ منه لا التَّعظيمَ له ولا التَّوجُّه نحوهُ؛ فلا يدخل في ذلكَ الوعيدُ.
          وقال الزُّهريُّ _بالسَّند السَّابق_: (أَخْبَرَنِي)(11) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ ”وأخبرنَا“(12) (عُبَيْدُ اللهِ) بضم العين، ابنُ عبدِ الله بنِ عتبةَ بنِ مسعودٍ (أَنَّ عَائِشَةَ) ♦ (قَالَتْ: لَقَدْ رَاجَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم فِي ذَلِكَ) أي: في أمرهِ صلعم أبا بكرٍ بإمامَةِ الصَّلاة (وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ) صلعم (رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ) ◙ ‼ في الصَّلاةِ بهم (أَبَدًا، وَلَا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”وأنْ لا“ (كُنْتُ أُرَى) أظنُّ (أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ أَحَدٌ مَقَامَهُ إِلَّا تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ) بالشين المعجمة، أي: وما حمَلنِي عليهِ إلَّا ظنِّي بعدَم محبَّة النَّاس للقائمِ مقامَهُ، وظنِّي لتشاؤُمهِم به (فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلعم عَنْ أَبِي بَكْرٍ).
          قال في «المصابيح»: وهذا ظاهرٌ في كونهِ باعثًا لها على إرادةِ العدولِ بذلك عن أبي بكرٍ ☺ ؛ لمكان أبوَّتِه منها وشرف منزلتهِ عندهَا، وفي بعضِ الطُّرق السَّابقة: أنَّها أرادَتْ أن يكون عمرُ هو الذي يُصلِّي، فانظر هذا مع علمها بما يلحقُهُ من تشاؤُم النَّاسِ، والله أعلم بحقيقةِ الحالِ.
          (رَوَاهُ) أي: الأمر بصلاةِ أبي بكرٍ بالنَّاسِ (ابْنُ عُمَرَ) فيما وصلهُ المؤلِّف في «باب أهل العلمِ والفضلِ أحقُّ بالإمامةِ» [خ¦682] (وَأَبُو مُوسَى) عبدُ الله بنُ قيسٍ الأشعريُّ، فيما وصله في هذا الباب [خ¦679] (وَابْنُ عَبَّاسٍ) فيما وصله في «باب إنَّما جعلَ الإمامُ ليؤتمَّ به» [خ¦687] ( ♥ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ).


[1] في (ص): «بالتوحيد».
[2] قوله: «أي يتعهد ويخدم»: ليست في (د).
[3] في (ب) و(س): «في ذلك».
[4] «قوله»: ليست في (ب).
[5] «المهملة»: ليست في (س).
[6] في (م): «طفقت».
[7] في (ص): «قولهم».
[8] في (م) زيادة: «قال».
[9] في (ب) و(د) زيادة: «كذلك».
[10] في (ب) و(س): «وأما».
[11] في (س): «وأخبرني».
[12] قوله: «ولأبي ذر وأخبرنَا»: ليست في (ص).