إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ثم شهد أن لا إله إلا الله

          1369- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) الحوضيُّ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ) بفتح الميم والمثلَّثة، الحضرميِّ (عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ) بسكون(1) العين في الأوَّل، وضمِّها وفتح الموحَّدة مصغَّرًا، آخره هاء تأنيثٍ في الثَّاني، وصرَّح في رواية أبي الوليد الطَّيالسيِّ _الآتية إن شاء الله تعالى في «التَّفسير» [خ¦4699]_ بالإخبار بين شعبة وعلقمة، وبالسَّماع بين علقمة وسعد بن عُبيدة (عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ☻ عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: إِذَا أُقْعِدَ المُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ) بضمِّ همزة «أُقعِدَ» مبنيًّا للمفعول كهمزة (أُتِيَ) أي: حال كونه مأتيًّا إليه، والآتي: الملَكان منكرٌ ونكيرٌ (ثُمَّ شَهِدَ) بلفظ الماضي كـ «عَلِمَ»، وللحَمُّويي والكُشْمِيْهَنِيِّ كما(2) في الفرع، وقال في «الفتح»: والمُستملي بدل الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”ثمَّ يشهد“ بلفظ المضارع، كـ «يَعْلَم» (أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) وفي رواية أبي الوليد المذكورة(3) [خ¦4699]: «المسلم إذا سُئِلَ في القبر: يشهد أن لا إله إلَّا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله» (فَذَلِكَ قَوْلُهُ) تعالى: ({يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}[إبراهيم:27]) الَّذي ثبت بالحجَّة عندهم، وهي كلمة التَّوحيد، وثبوتها تمكُّنها في القلب، واعتقاد حقيقتها(4)، واطمئنان القلب بها، وزاد في رواية أبي الوليد: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}[إبراهيم:27] وتثبيتهم في الدُّنيا: أنَّهم إذا فُتِنوا في دينهم لم يزالوا عنها _وإن أُلقوا في النَّار_ ولم يرتابوا بالشُّبهات، وتثبيتهم في الآخرة: أنَّهم إذا سُئِلوا في القبر لم يتوقَّفوا في الجواب، وإذا سُئِلوا في الحشر وعند موقف الأشهاد عن معتقدهم ودينهم لم تدهشهم أهوال القيامة، وبالجملة: فالمرء على قدر ثباته في الدُّنيا يكون ثباته في القبر وما بعده(5)، وكلَّما كان أسرع إجابةً كان أسرع تخلُّصًا من الأهوال، والمسؤول عنه في قوله: «إذا سُئِلوا» _الثَّابت في رواية أبي الوليد [خ¦4699]_ محذوفٌ، أي: عن ربِّه ونبيِّه ودينه.
          وفي هذا الحديث التَّحديث، والعنعنة، ورواته ما بين بصريٍّ وكوفيٍّ، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «الجنائز» [خ¦1338] وفي «التَّفسير» [خ¦4699]، ومسلمٌ في «صفة النَّار»، وأبو داود‼ في «السُّنَّة»، والتِّرمذيُّ في «التَّفسير» والنَّسائيُّ في «الجنائز» وفي «التَّفسير»(6) وابن ماجه في «الزُّهد».
          وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) بفتح الموحَّدة والشِّين المعجمة المشدَّدة، العبديُّ البصريُّ، ويُقال له(7) / : بُنْدار قال: (حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ) محمَّد بن جعفرٍ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (بِهَذَا) أي: بالحديث السَّابق (وَزَادَ: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ}[إبراهيم:27]) بالقول الثَّابت (نَزَلَتْ فِي عَذَابِ القَبْرِ) قال الطِّيبيُّ في «شرح المشكاة»: فإن قلت: ليس في الآية ما يدلُّ على عذاب المؤمن في القبر، فما معنى «نزلت في عذاب القبر؟» قلت: لعلَّه سمَّى أحوال العبد في القبر بعذاب القبر على تغليب فتنة الكافر على فتنة المؤمن ترهيبًا وتخويفًا، ولأنَّ القبر مقام الهول والوحشة، ولأنَّ ملاقاة الملكين ممَّا يهيب المؤمن في العادة.


[1] في (د): «بفتح»، وليس بصحيحٍ.
[2] «كما»: ليس في (ب).
[3] في (د): «المذكور».
[4] في (د): «حقِّيَّتها».
[5] «وما بعده»: ليس في (م).
[6] قوله: «ومسلمٌ في صفة النَّار، وأبو داود... والنَّسائيُّ في الجنائز وفي التَّفسير»، سقط من (ص).
[7] «له»: ليس في (ص) و(م).