التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده أبدًا

          3053- قوله: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح القاف، وكسر المُوَحَّدة، وأنَّه ابنُ عقبة السُّوائيُّ، تَقَدَّمَ، كذا في أصلنا: (قَبِيصة: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ)، وكذا في أصلنا الدِّمَشْقيِّ، والمِزِّيُّ ذكره(1) في «أطرافه» عن هذا المكان: (قَبِيصة)، قال: (وفي «المغازي» عن قُتَيْبَة [خ¦4431]، وفي «الجزية» عن مُحَمَّد [خ¦3168]، ومسلمٌ في «الوصايا» عن سعيد بن منصور، وقتيبة، وأبي بكر ابن أبي شيبة، وعَمرو الناقد؛ ستَّتهم عنِ ابن عُيَيْنَة)، قال الجَيَّانِيُّ: (حدَّثنا قَبِيصة: حدَّثنا ابن عُيَيْنَة...)؛ فذكر هذا الحديث، ثُمَّ قال: (هكذا رُوِيَ في إسناد هذا الحديث عن أبي زيد المروزيِّ وأبي أحمد، وكذلك في نسخة عن النَّسَفيِّ، ورويناه عن أبي عليِّ ابن السَّكن عن الفربريِّ عن البُخاريِّ: «حدَّثنا قُتَيْبَة: حدَّثنا ابن عُيَيْنَة»، وبهذا الإسناد في «مرض النَّبيِّ صلعم»: «حدَّثنا قُتَيْبَة: حدَّثنا سفيان» [خ¦4431])؛ يعني: هذا الحديث، قال: (ولم يختلف رواةُ الكتاب عن البُخاريِّ في هذا الموضع)، قال: (ولعلَّ البُخاريَّ سمع الحديث من قُتَيْبَة بن سعيد، ومن قَبِيصة بن عقبة، غير أنِّي لا أحفظ لقَبِيصة بن عُقبة عنِ ابنِ عُيَيْنَة شيئًا في «الجامع»، ولا ذكر أبو نصر الكلاباذيُّ أنَّه روى عن غير الثوريِّ في الكتاب، والله أعلم)، انتهى.
          قوله: (الْحَصْبَاءَ): هو بمدِّ آخره، وهو الحصى الصِّغار.
          قوله: (اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صلعم وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ): اعلم أنَّه ╕ ابتدأ به وجعه الذي تُوُفِّيَ فيه في ليالٍ من صفر، أو في أوَّل ربيع الأوَّل، وتتامَّ وجعُه وهو يدور على نسائه حتَّى استُعِزَّ به وهو في بيت ميمونة، فاستأذن أزواجه أن يُمرَّض في بيت عائشة، فأَذِنَّ له، وكانت مدَّة شكواه ثلاثة عشر يومًا، وقيل: اثنا عشر، وقيل: أربعة عشر، وقيل: عشرة، وقيل: ثمانية، وسأذكر ذلك مُطَوَّلًا [خ¦64/83-6373]. /
          قوله: (أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا): (أَكتبْ): بفتح الهمزة، وهي همزة المتكلِّم، وهو مجزوم جواب الأمر(2).
          قوله: (كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ): اعلم أنَّه تَقَدَّمَ الكلام على هذا الكتاب الذي هَمَّ ╕ بكتابته إمَّا بوحي وإمَّا باجتهاد، ثُمَّ رجع عنه إمَّا بوحي وإمَّا باجتهاد [خ¦114]، وسأذكرُه أيضًا بعد هذا إن شاء الله تعالى وقدَّره [خ¦4431].
          قوله: (هَجَرَ): سيجيء الكلام على ذلك في (وفاته صلعم)، فانظره [خ¦4431]، وقائل ذلك هو عُمر بن الخَطَّاب، كما قاله ابنُ الأثير في «نهايته».
          قوله: (أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ): هو بقطع الهمزة؛ لأنَّه رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ معروفٌ.
          قوله: (مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ): قال البُخاريُّ هنا ما لفظه: (وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَأَلْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَقَالَ: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ، قَالَ يَعْقُوبُ: وَالْعَرْجُ أَوَّلُ تِهَامَةَ): أمَّا (يعقوب) هذا؛ فهو ابن مُحَمَّد _كما قال_ ابن عيسى الزُّهْرِيُّ العَوْفيُّ المدنيُّ، وهَّاه أبو زرعة وغيرُه، وقوَّاه أبو حاتم، وذكره ابنُ حِبَّانَ في «الثِّقات»، قال الذَّهَبيُّ في «الكاشف»: (قال البُخاريُّ في «الصحيح»: «حدَّثنا يعقوب: حدَّثنا إبراهيم بن سَعْد» [خ¦2697] فلعلَّه العَوْفيُّ)، عَلَّقَ له البُخاريُّ، تُوُفِّيَ سنة ░213هـ▒، وأخرج له ابنُ ماجه، له ترجمةٌ في «الميزان».
          وأمَّا (المغيرة بن عبد الرَّحْمَن)؛ فهو المخزوميُّ المدنيُّ، أبو هاشم، هذا الذي يظهر، عن هشامِ بنِ عروةَ ويزيدَ بنِ أبي عُبيد، وعنه: إبراهيم بن المنذر وأبو مصعب، قال الزُّبَيرُ: (عرض عليه الرشيدُ قضاءَ المدينة وجائزةً أربعة آلاف دينار، فامتنع، وكان فقيهَ أهل المدينة بعد مالك)، مات سنة ░186هـ▒، أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابنُ ماجه، وثَّقه ابنُ مَعِين وغيرُه، وقال أبو داود: (ضعيف الحديث)، له ترجمةٌ في «الميزان»، لا المغيرة بن عبد الرَّحْمَن الحِزَاميُّ، ولا المغيرة بن عبد الرَّحْمَن الأسديُّ، ولا المغيرة بن عبد الرَّحْمَن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزوميُّ، والله أعلم.
          وأمَّا (جزيرة العرب)؛ فقال أبو عُبيد: ([قال أبو عبيدة]: ما بين حَفَرِ أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطُّول، وأمَّا في العَرْض؛ فما بين رَمْلِ يَبْرِينَ إلى مُنْقَطع السَّماوةِ)، و(حَفَر أبي موسى): بفتح الحاء المُهْمَلَة والفاء، وكذا قيَّده النَّوويُّ في «تهذيبه»، قالوا: وسُمِّيت جزيرةَ العرب؛ لإحاطة البحار بها من نواحيها، وانقطاعها عن المياه العظيمة، وأُضيفت إلى العرب؛ لأنَّها الأرض التي كانت بأيديهم قبل الإسلام، وديارهم التي هي أوطانُهم وأوطان أسلافهم، وحكى الهرويُّ عن مالك: أنَّ جزيرة العرب هي المدينة، والصحيح المعروف عن مالك: أنَّها مكَّة والمدينة واليمامة واليمن.
          وأخذ بهذا الحديث مالكٌ والشَّافِعيُّ وغيرُهما من العلماء، فأوجبوا إخراج الكفَّار من جزيرة العرب، وقالوا: لا يجوز تمكينهم من سُكْناها، ولكنَّ الشَّافِعيَّ خصَّ هذا الحكم ببعض جزيرة العرب؛ وهو الحجاز، وهو عنده مكَّة والمدينة واليمامة وأعمالها، دون اليمن وغيره ممَّا هو من جزيرة العرب، وخصَّ الشَّافِعيُّ عموم جزيرة العرب بدليلٍ آخرَ مشهورٍ في كتبه وكتب أصحابه، وفي «مسلم»: أنَّ عُمر أجلاهم إلى تيماء وأريحاء، هذا في يهود خيبر، وفي إجلائهم إلى هاتين القريتين دليل على أنَّ مراده ╕ بإخراج اليهود والنَّصارى من جزيرة العرب: إخراجُهم مِن بعضها؛ وهو الحجاز خاصَّة(3)؛ لأنَّ تيماء من جزيرة العرب، لكنَّها ليست من الحجاز، والله أعلم.
          ورأيتُ في حاشية على نسخةٍ صحيحةٍ من «البُخاريِّ» ما لفظه: (جزيرة العرب من عدن إلى ريف العراق، ومن جُدَّة إلى بحر الشام) انتهت.
          وقال ياقوت في «المشترك»: (جزيرة العرب: ما بين بحر اليمن وبحر الشام، وما أحاط به دِجلة والفرات)، قال الذَّهَبيُّ في «المشتبه»: (كذا قال)، انتهى.
          وقال شيخُنا في شرح هذا الكتاب: (جزيرة العرب عند الجوينيِّ والقاضي الحسين: الحجاز؛ وهو مكَّةُ والمدينة واليمامة وقُرَاها، والمشهور: أنَّ الحجاز بعضُ الجزيرة، وبه جزم العراقيُّون وغيرهم، وقالوا: المراد بـ«الجزيرة» في الحديث: الحجاز، ويؤيِّده روايةُ أحمدَ من حديث أبي عُبيدة ابن الجرَّاح: آخرُ ما تكلَّم به رسولُ الله صلعم: «أخرجوا يهود الحجاز وأهل نَجْران من جزيرة العرب»)، انتهى.
          قوله: (وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ): النَّاسي: هو سعيد بن جُبَيرٍ، قاله النَّوويُّ في «شرح مسلم»، وسيأتي من كلام ابن عُيَيْنَة أنَّه من قول سليمان؛ يعني: الأحول [خ¦3168]، وكذا قال بعض حفَّاظ مِصر من المُتَأخِّرين: إنَّ النَّاسِيَ هو ابنُ عُيَيْنَة، قال: (بيَّنه الإسماعيليُّ في روايته هنا، وقد بيَّنه البُخاريُّ بعدُ في «الجزية»).
          قوله: (وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ): قال شيخُنا: (والثالثة: تجهيز جيش أسامة، قاله المهلَّبُ)، وقال شيخنا: (وقد ورد في روايةٍ: أنَّه القرآن)، انتهى، وقال القاضي عياض: (ويحتمل أنَّها قولُه صلعم: «لا تتَّخذوا قبري وَثَنًا يُعبَدُ»، فقد ذكر مالكٌ في «الموطَّأ» معناه مع إجلاء اليهود من حديث عمر ☺، والله أعلم)، وقال بعض المُتَأخِّرين من حفَّاظ مِصر: (وقع في «صحيح ابن حِبَّانَ» ما يرشد إلى أنَّها الوصية بالأرحام) انتهى.
          قوله: (قَالَ يَعْقُوبُ: وَالْعَرْجُ أَوَّلُ تِهَامَةَ): أمَّا (يعقوب)، فقد تَقَدَّمَ أعلاه، وأمَّا (العَرْج)، فبفتح العين المُهْمَلَة، وإسكان الراء، وبالجيم، وهي قريةٌ جامعةٌ من عَمَل الفُرْع، على نحو ثمانية وسبعين مِيلًا من المدينة، وهو أوَّل تهامة، كما قال، و(تِهامة): [تقدَّم] أنَّها بكسر التاء، وهذا مَعْرُوفٌ، وقد تَقَدَّمَ الكلام عليها [خ¦773].


[1] في (ب): (ونسبوه)، وهو تحريفٌ.
[2] (الأمر): سقط من (ب).
[3] في النسختين: (منهم)، وكتب فوقها في (أ): (خاصة) مصحَّحًا عليها، دون الضرب على: (منهم)، ولعل المثبت هو الصواب.