التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا أعطى فضله غيره في النوم

          ░34▒ بَابٌ إِذَا أَعْطَى فَضْلَهُ غَيْرَهُ فِي النَّوْمِ
          7027- ذَكَرَ فيه حديثَ ابْنِ عُمَرَ السَّالِفَ: قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: (الْعِلْمُ) [خ¦82].
          ░35▒ بَابُ الْأَمْنِ وَذَهَابِ الرَّوْعِ فِي الْمَنَامِ
          7028- 7029- ذَكَرَ فيه حديثَ مَنَامِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ حديثِ نَافِعٍ عَنْهُ ☺: أنَّه ◙ قال: (إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ، لَوْ كَانَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّيْلِ)، وفي أوَّلِه أنَّ الملَكَ قال: (نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ لَوْ كُنْتَ تُكْثِرُ الصَّلَاةَ). قال الزُّهْرِيُّ: فكان عبدُ الله بعد ذلكَ يُكثِرُ الصَّلَاةِ مِن اللَّيل.
          وترجمَ عليه أيضًا:
          ░36▒ بَابُ الْأَخْذِ عَلَى الْيَمِينِ فِي النَّوْمِ
          7030- 7031- وذَكَرَهُ مِن طريقِ سَالِمٍ عَنْهُ، وقد سَلَفَ في فضلِ قِيامِ اللَّيلِ [خ¦1121] ومناقبِ ابن عُمَرَ ☻ [خ¦3738] ونومِ الرِّجال في المسجدِ [خ¦440] وغيرِ ذلك. /
          وقولُه: (فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْمَعَةٌ) هي بكسْرِ الميمِ، والمَقَامِعُ سِياطٌ مِن حديدٍ رؤوسُها مُعْوَجَّةٌ. قال الجَوْهَرِيُّ: المِقْمَعَةُ كالْمِحْجَنِ والْمِحْجَنُ كالصَّولجان. وقال الدَّاوُدِيُّ: المِقْرَعَةُ والمِقْمَعَةُ واحدٌ.
          وقولُه: (لَهَا قُرُوْنٌ كَقُرُوْنِ الْبِئْرِ) وقرنا البئرِ مَنَارتانِ تُبْنَيانِ على رأسِها، ويُوضَعُ فوقَها خشبٌ تُعلَّق البَكْرَةُ فيه. والعَزَبُ بِفَتْحِ العينِ والزَّايِ. ومعنى: (لَمْ تُرَعْ) لم تَخَف، والرَّوْعُ الفَزَعُ.
          وقولُه: (لَوْ كَانَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ) قال ابنُ التِّين: ليس في الرُّؤيا إنَّما هو وحيٌ لِرسولِ الله صلعم. قلتُ: قد سَلَفَ أنَّها مِن الملَكِ في الرُّؤيا.
          وقولُه: (يُقْبِلاَ بِي إِلَى جَهَنَّمَ) يُقال: أَقْبَلْتُه الشَّيءَ أي جعلْتُهُ قُبَالَتَه.
          فَصْلٌ: هذا الحديثُ فُسِّرتْ مِمَّا فيه الرُّؤيا على وجهِها، وفيه دليلٌ على توعُّدِ اللهِ عبادَه، وجوازِ تعذيبِهم على تَرْكِ السُّنَنِ.
          وقولُ الملَكِ: (لَمْ تُرَعْ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ...) إلى آخرِه، هذِه الزِّيادةُ تُفسِّرُ سائرَ طُرُقِ هذا الحديثِ. وفيه الحكمُ بالدَّليلِ لأنَّ عبدَ اللهِ استدلَّ على أنَّ اللَّذَيْنِ أَتَياهُ ملَكَانِ لأنَّهما أوقفاهُ على جهنَّمَ ووعظاهُ بها، والشَّيطانُ لا يَعِظُ ولا يذكِّرُ الخيرَ، فاستدلَّ بوعْظِهِما وتذكيرِهما أنَّهما مَلَكَان.
          وقولُه: (لَمْ تُرَعْ) هذا خَرَجَ على ما رآه عليه وعلى أنَّه ليس مِن أهلِ ما رآه؛ لأنَّه إذا قام الدَّليلُ أنَّهما مَلَكَانِ فلا يكون كلامُهما إلَّا حقًّا، وفيه دليلٌ على أنَّ ما فُسِّرَ في النَّومِ فهو تفسيرٌ في اليقظةِ لأنَّ الشَّارِعَ لم يَزِدْ في تفسيرِها على ما فسَّرَها الملَكُ.
          وفيه دليلٌ على أنَّ أصلَ التَّعبيرِ مِن قِبَلِ الأنبياء، ولِذلك كانوا يتمنَّونَ أن يَرَوا رُؤيا فيُفسِّرُها الشَّارِعُ لِتكونَ عندهم أصلًا، وهو مذهبُ الأَشْعَرِيِّ أنَّ أصلَ التَّعبير بالتَّوقيفِ مِن قِبَلِ الأنبياءِ وعلى ألسنتِهم وهو كما قال، لكنَّ المحفوظَ عن الأنبياءِ وإنْ كان أصلًا فلا يَعُمُّ أشخاصَ الرُّؤيا، فلا بُدَّ للبارعِ في هذا العِلم أن يستدلَّ بِحُسْنِ نَظَرِهِ فَيَرُدَّ ما لم يُنصَّ عليه إلى حكْمِ التَّمثيلِ، ويَحكُمَ له بِحُكْمِ التَّشبيه الصَّحيح فيُجعَلَ أصلًا يُقاسُ عليه، كما يُفعَلُ في فُرُوعِ الفقه.
          وفيه أيضًا جوازُ المبيتِ للعَزَبِ في المسجدِ كما ترجَمَ عليه في أحكامِ المساجدِ، وجوازُ النِّيابة في الرُّؤيا، وقَبولُ خبرِ الواحدِ العدْلِ.