التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب رؤيا يوسف

          ░6▒ بَابُ رُؤْيَا يُوسُفَ ◙
          وَقَوْلِهِ ╡: {إِذْ قَالَ يُوسُفَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} إلى قولِه: {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يُوسُفَ:4-6]. وَقَوْلِهِ: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} إلى قولِه: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يُوسُفَ:100-101]. فَاطِرٌ وَالْمُبْتَدِعُ وَالْمُبْدِعُ وَالْبَارِئُ وَالْخَالِقُ وَاحِدٌ. {مِنَ الْبَدْوِ}: بَادِيَةٍ.
          الشَّرحُ: رؤيا يُوسُفَ ◙ حقٌّ ووحيٌ مِن اللهِ كرُؤيا سائرِ الأنبياء، أَلَا ترى قولَ يُوسُفَ لأبيه يعقُوبَ ♂: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًا} [يُوسُفَ:100] والأحدَ عَشَرَ كوكبًا إخوتُه أنبياءُ يُستضاءُ بهم كما يُستضاءُ بالكواكب، والقمرُ أبوهُ والشَّمسُ أُمُّه. قاله ابنُ عبَّاسٍ والضَّحَّاك، ونقله ابنُ التِّين عن قَتَادَةَ أيضًا، ثمَّ قال: وقال غيرُهما أبوه وخالتُهُ. ونقل ابنُ بطَّالٍ هذا عن قَتَادَةَ.
          وأخبرَ اللهُ تعالى عن الكواكبِ والشَّمسِ والقَمَرِ كما يخبر عمَّن يَعْقِلُ: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يُوسُفَ:4] إذْ تفسيرُها فيمن يَعقل. ورُوي عن سُلَيْمانَ قال: كان بين رُؤيا يُوسُفَ وتأويلِها أربعون سنَةً. وكذا قال عبدُ الله بن شدَّاد بن الهادِي، قال: وذلك منتهى الرُّؤيا. وقيل: بعدَ ثمانين.
          وقولُه: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يُوسُفَ:6] قال مجاهِدٌ: تأويل الرُّؤيا. وقال غيرُه: أي أخبارُ الأُمَمِ، ثمَّ قال: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} فَأَخْبَرَ أنَّهُ يكونُ نبيًّا: {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} [يُوسُفَ:6] و{الْبَدْوِ} أصحابُ العمودِ والخَيمة والخِبَاء.
          وقال الحَسَنُ: كان بين مفارقةِ يُوسُفَ أباه واجتماعِهما ثمانون سنَةً لا يهدأ فيها ساعةً مِن البكاء، وليس حينئذٍ أحدٌ أكرمَ على الله مِن يعقُوبَ ◙، وأُلقِيَ في الجُبِّ وهو ابنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سنَةً، وعاش بعد لِقائه ثلاثًا وعشرين سنَةً، وماتَ وهو ابنُ عشرين ومئة سنَةً.
          وقولُه: {وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} يجوزُ أن تكون {مِنْ} هنا للتَّبعيضِ، نظيرُه: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103] يريد وضعَ بعضَ وجهِه وهو الجبينُ، لأنَّه مِن الوجه، وعبارةُ «الصِّحاح» أي صَرَعَهُ كما تقول: كبَّه لوجهِهِ. وقول يعقُوبَ له صلعم: {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يُوسُفَ:5] قال له ذلك لِمَا عَلِم مِن تأويلِ الرُّؤيا، فخاف أن يحسُدُوه وكان تبيَّن له الحسدُ منهم له، وهذا أصلٌ أَلَّا تُقصُصِ الرُّؤيا على غيرِ شفيقٍ ولا ناصحٍ، ولا تُقصَّ على مَن لا يُحسِنُ التَّأويلَ، وقد أسلفنا حديثين في ذلك.