التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب كشف المرأة في المنام

          ░20▒ بَابُ كَشْفِ الْمَرْأَةِ فِي الْمَنَامِ
          7011- ذَكَرَ فيه حديثَ عَائِشَةَ ♦ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: (أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ).
          وترجَمَ عليه:
          ░21▒ بَابُ ثِيَابِ الْحَرِيرِ فِي الْمَنَامِ
          ثمَّ ساقَه أطولَ منه، وقد سَلَفَ في النِّكاحِ [خ¦5078].
          وهذِه الرُّؤيا تحتمِلُ أن تكونَ قَبْلَ النُّبوَّةِ في وقتٍ يجوزُ عليه رُؤيا سائرِ البَشَرِ، فلمَّا أوحَى إليه خلَّصَ رُؤياهُ مِن الأَضْغاثِ وحَرَسَهُ في النَّومِ كما حَرَسَهُ في اليقظةِ، وجَعَلَ رُؤياه وحيًا. قاله ابنُ بطَّالٍ أوَّلًا ثمَّ قال: ويحتمل أن تكونَ بَعْدَه وبعْدَ العِلمِ بأنَّ رؤياه وحيٌ، فعبَّرَ عمَّا عَلِم بلفظٍ يُوهِمُ الشَّكَّ ظاهرهُ ومعناه اليقين، وهذا موجودٌ في لغةِ العربِ أن يكونَ اللَّفظُ يخالفُ معناه كما قال ذو الرُّمَّة:
أَيَا ظَبْيَةَ الوَعْسَاءِ بَيْنَ جُلَاجِلٍ                     وَبَيْنَ النَّقَا، آأَنْتِ أَمْ أُمُّ سَالِمِ؟
          ولم يَشُكَّ أنَّ الظَّبْيَةَ ليست بأمِّ سالمٍ. وكما قال جِرِيرٌ:
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايا                     وَأَنْدَى العَالمينَ بُطُونَ رَاحِ
          فعبَّر عمَّا هو قاطِعٌ عليه وعالمٌ به بلفظٍ ظاهرُه الشَّكُّ والمسألةُ عمَّا لا يقطَعُ عليه، فكذلك قولُه: (إِنْ كَانَ هَذَا مِن عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ) وقد عَلِم أنَّه كانَ مِن عندِ الله لَا محالَةَ.
          فَصْلٌ: رُؤيةُ المرأةِ في المنام تحتمِلُ وجوهًا، منها أنْ تدُلَّ على امرأةٍ تكونُ له في اليقظةِ تُشبِهُ الَّتي رَأَى في المنامِ، كما كانت رؤيةُ الشَّارعِ هذِه، وقد تدلُّ على الدُّنيا والمنزِلَةِ فيها والسَّعَةِ في الرِّزقِ، وهو أصلٌ عند المعبِّرين في ذلك، وقد تدلُّ المرأةُ أيضًا على فتنةٍ بما يَقْتَرِن إليها مِن دلائلِ ذلك.
          فَصْلٌ: وثيابُ الحَرِير يدُلُّ اتخاذُها للنِّساءِ في الرُّؤيا على النِّكاحِ وعلى الأزواجِ وعلى العزِّ والغِنى وعلى الشَّحمِ، ولبس الذَّهبِ واللِّباسُ دالٌّ على جسمِ لابِسِه لأنَّه محلُّهُ ومشتملٌ عليه ودافعٌ عنه فهو معبِّرٌ عنه، لا سيِّما أنَّ اللِّباس في غالب النَّاس دالٌّ على أقدارِهم وأحوالِهم ومذاهبِهم وأجناسِهم، فيُعرف كلُّ جنسٍ بلبْسِه وزيِّه مِن العربِ والعَجَمِ والأغنياءِ والفقراءِ، ولا خيرَ في ثيابِ الحرير للرِّجال، وهي صالحةٌ في الجاهِ والسُّلطانِ وَسَعةِ المال.
          فَصْلٌ: قولُه: (فِي سَرَقَةٍ) السَّرَقَةُ شُقَّةُ الحريرِ، وقولُه: (مِنْ حَرِيرٍ) على معنى التَّأكيدِ كقولِه: {أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} [الكهف:31] وإن كان السِّوار لا يكون إلَّا مِن ذَهَبٍ فإنْ كانَ مِن فِضَّةٍ فَقُلْبٌ، أو قُرُونٍ أو عاجٍ فَمَسَكَةٌ.
          فَصْلٌ: تزوَّجَ عَائِشَةَ ♦ بنتَ ستِّ سنين أو سبعٍ، وأُدخلَتْ عليه بنتَ تسعٍ بعد مَقْدَمِهِ المدينةَ بثمانيةِ أشهُرٍ، كذا ذكره الشَّيخُ أبو مُحَمَّدٍ في «جامعِ مختصره» وقال الدَّاوُدِيُّ: في سنةِ اثنتين، وَمَكَثتْ عندَه تسعًا، وعاشت بعدَه ثمانيةً وأربعين سنةً، فإنَّها ماتتْ في رمضانَ سنة ثمانٍ وخمسينَ.