التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الطواف بالكعبة في المنام

          ░33▒ بَابُ الطَّوَافِ بِالْكَعْبَةِ فِي الْمَنَامِ
          7026- ذَكَرَ فيه حديثَ ابنِ عُمَرَ ☻ أنَّه صلعم قال: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الدَّجَّالُ، أَقْرَبُ النَّاس بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ) وَابْنُ قَطَنٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ.
          الشَّرحُ: الطَّوافُ بالبيتِ ينْصَرِفُ على وجوهٍ كما ذكَرَها بعضُ أهلِ التَّأويلِ، فمَن رأى أنَّه يطوفُ بالبيتِ فإنَّهُ يحجُّ إن شاء الله، وقد يكون تأويلُ ذلك إنْ كان يطلُبُ حاجةً مِن الإمامِ بِشارةً بِنَيْلِها منه؛ لأنَّ الكَعْبَةَ إمامُ الخَلْقِ كلِّهم، وقد يكون الطَّوافُ تطهيرًا مِن الذُّنوبِ لِقولِه تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج:26] وقد يكون الطَّوافُ لمن يريدُ أن يتسرَّى أو يتزوَّج امرأةً حسناءَ دليلًا على تمامِ إرادتِه، وقال عليُّ بنُ أبي طالبٍ العابِرُ: وقد يكون الطَّوافُ لِمَنْ كان ذا والدَيْنِ يُحسِنُ بِرَّهما وزوجةٍ يَسعى عليها أو كان يخدمُ عالِمًا أو كان عبْدًا يَنْصَحُ سيِّدَهُ بِشارةً بالثَّوابِ عن فِعْلِهِ في اليقظةِ.
          فَصْلٌ: قال المهلَّب: ووصَفَ ◙ عيسى ◙ والدَّجَّالَ بصفاتِهِما الَّتي خلقَهما اللهُ عليها؛ لكوْنِهما في زمنٍ واحدٍ، ولأنَّ الحديثَ قد جاء عنه ◙ أنَّ عيسى ◙ يقتُلُ الدَّجَّالَ، فوصَفَ الدَّجَّالَ بِصِفَةٍ لا تُشْكِلُ عليهم على حسبِ ما رآه وهو العَوَرُ، والَّذي لا يجوزُ على ذوي العقولِ أنْ يَصِفُوا بالإلَهيَّةِ والقُدرةِ مَن كان بتلك الصِّفَةِ إذِ الإلهُ لا يجوزُ عليه الآفاتُ، وهذا مُدَّعيها وقد جازت عليه الآفةُ فهي برهانٌ على تكذيبِهِ.
          فَصْلٌ: قولُه: (يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً) أي يقطُرُ، والنَّطْفُ الصَّبُّ، وليلةٌ نَطُوفٌ ماطِرَةٌ، مِن كتاب «العين».
          وقولُه: (سَبطُ الشَّعَرِ) يجوزُ كسْرُ بائِه وإسكانُها، قال ابنُ التِّين: رُوِّيناه بالكسْرِ. وفي «الصِّحاح» الوجهانِ، أي مُسترْسِلٌ غيرُ جَعْدٍ.
          فَصْلٌ: قال الدَّاوُدِيُّ: رُؤيةُ الطَّوافِ رُؤيا عِبادةٍ، وسَلَفَ مِثْلُ هذا لابنِ عبَّاسٍ أنَّ رُؤيا الأنبياءِ لا تُعبَرُ وأنَّها تكونُ على هيئتِها، واحتجَّ بقولِه تعالى: {إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102]
          فَصْلٌ: قال أبو القاسم الأَنْدَلسيُّ: وَصَفَ عيسى بالصُّورةِ الَّتي خلَقَهُ الله عليها ورآه يطوفُ، وهذِه رؤيا حقٍّ لأنَّ الشَّيطانَ لا يتمثَّلُ في صورةِ الأنبياء، ولا شكَّ أنَّ عيسى في السَّماءِ وهو حيٌّ ويفعلُ الله في خلْقِه ما يشاء، قال: ووَصَفَ الدَّجَّالَ بِصورتِه، قال: ودلَّ هذا الحديثُ أنَّ الدَّجَّالَ يدخلُ مكَّةَ دون المدينةِ لأنَّ الملائكةَ الذين على نِقَابها يمنعونه مِن دخولِها، وأَنكرَ ذلك غيرُه وقال: في هذا الدَّليلِ نَظَرٌ.
          فَصْلٌ: اسمُ ابنِ قَطَنٍ: عبدُ العُزَّى بنُ قَطَنِ بنِ عَمْرو بن حَبِيب بن سَعد بن عائِذِ بن مالكِ بن جَذِيمَةَ _وهو المُصْطَلِقُ_ بنِ سَعْدٍ _أخي كَعْبٍ وعَدِيٍّ_ أولادِ عمْرِو بن رَبِيعةَ _وهو لُحَيُّ_ بنِ حَارِثَةَ بن عَمْرو مُزَيقِيَا. وقد سلف هذا الحديثُ [خ¦3440] [خ¦3441] وفيه: قال الزُّهْرِيُّ: رجلٌ مِن خُزَاعةَ هَلَكَ في الجاهليَّة. يعني ابنَ قَطَنٍ، وأمُّه هالةُ أختُ خَدِيجةَ.