التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب القصر في المنام

          ░31▒ (بَابُ القَصْرِ فِي المَنَامِ)
          7023- ذَكَرَ فيه حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ في رؤيتِه ◙ القَصْرَ مِن ذَهَبٍ فَمَنَعَهُ مِن دُخولِه غَيْرَةُ عُمَرَ.
          ثم ترجَمَ عليه:
          ░32▒ بَابُ الوُضُوءِ فِي المَنَامِ
          7025- ثمَّ ساقَ فيه حديثَ جابرٍ، وسَلَفَا في مناقِبِه [خ¦3679] [خ¦3680] وفي باب صِفة الجنَّة [خ¦3242] وحديثُ أبي هُرَيْرَةَ سَلَفَ في الغِيرة مِن كتاب النِّكاح [خ¦5227] وهناك أوضحْنا الكلامَ عليه.
          وهذه الرُّؤيا بُشْرَى لِعُمَرَ بِقَصْرٍ في الجنَّةِ، وهذه الرُّؤيا ممَّا تُخَرَّجُ على حسبَ ما رُئِيَتْ بِغيرِ رمزٍ ولا غموضِ تفسيرٍ والجاريةُ كذلك، والوُضُوءُ إنَّما يُؤخَذُ منه اسمُه مِن الوضَاءِةِ لأنَّه ليس في الجنَّة وُضُوءٌ لِصلاةٍ ولا عبَادةٌ. وفيه دليلٌ على الحُكْمِ على كلِّ رجلٍ بما يُعلَمُ مِن خُلُقِهِ، أَلَا تَرَى أنَّه ◙ لم يَدْخُلِ القَصْرَ حين ذَكَرَ غَيْرَةَ عُمَرَ، وقد عَلِم أنَّه لا يَغارُ عليه لأنَّه أبو المؤمنين، وكلُّ ما نال بنُو المؤمنين مِن خيرِ الدُّنيا والآخرةِ فَبِسَبَبِه وعلى يديهِ، لكنْ أرادَ ◙ أنْ يأتِيَ ما يَعلَمُ أنَّه يُوافِق عُمَر أَدَبًا منه.
          وما ذكرْتُه مِن قولي: لأنَّه أبو المؤمنينَ، تابَعْتُ فيه المهلَّبَ وأقرَّه ابنُ بطَّالٍ، واعترض بعضُ شُيوخِنا عليه بأنَّ الله تعالى قال: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} [الأحزاب:40] وقال ◙: ((إنَّما أنا لكم بمنزلةِ الوالدِ)) ولم يقل: إنما أنا لكم والِد، ولم يأتِ ذلك في حديثٍ صحيحٍ ولا غيرِه ممَّا يصلُحُ للدِّلالة. هذا كلامُه، ولا شكَّ أنَّه والدٌ وأعظمُ، ومعنى الآيةِ ليس أحدٌ مِن رِجالِكُم وَلَدُ صُلْبِه؛ نَبْيًا لِمَا وقعَ مِن التَّبَنِّي وتزويجِه بِزَوجَتِهِ، ونصَّ الإمامُ الشَّافعِيُّ على أنَّه يجوزُ أن يُقال: أبو المؤمنين. أي في الحُرْمَةِ. وقال البَغَويُّ مِن أصحابِنا: كان النَّبِيُّ صلعم أبا الرِّجالِ والنِّساءِ جميعًا. ونقل / الواحِديُّ عن بعضِ أصحابِنا المنْعَ. ويَرُدُّه ما ذكرناه، وكذا قولُ الأستاذِ أبي إِسْحَاقَ: إنَّه لا يُقال: أبونا، وإنَّما يُقال: هو كَأَبِينا، عَمَلًا بقولِه: ((إنَّما أنا لكم كالوالدِ)) وهو مردودٌ أيضًا، فاعلمْ ذلك.
          فَصْلٌ: قال ابنُ سِيْرِينَ: مَن رأى أنَّه يدخلُ الجنَّةَ فإنَّه يدخلُها إنْ شاء اللهُ؛ لأنَّ ذلك بِشارةٌ لِمَا قدَّم مِن خيرٍ أو يقدِّمُه. قال الكَرْمانيُّ: وأمَّا بُنيانُها ورياضُها فهي نُعِيمُها، وأمَّا نِساؤها فهي أُجورٌ في أعمالِ البرِّ على قَدْرِ جمالِهنَّ.
          قال عليُّ بنُ أبي طالبٍ: وقد ينَصْرفُ دخولُ الجنَّةِ في المنامِ على وجوهٍ؛ فَيَدُلُّ لِمَنْ حجَّ على تمامِ حَجِّهِ ووصولِه إلى الكَعْبةِ المؤدِّيَةِ إلى الجنَّة، وإنْ كان كافرًا أو مُذنِبًا بطَّالًا ورَأَى ذلك غيرُه له أسلَمَ مِن كُفْرِه وتَابَ مِن بَطالَتِهِ، وإن كان مريضًا ماتَ مِن مَرَضِه لأنَّ الجنَّة هي أجْرُ المؤمنين إن كان المريض مؤمنًا، وإن كان كافرًا أفاقَ مِن عِلَّتِه لأنَّ الدُّنيا جنَّةُ الكافرين، وإنْ كان عَزْبًا تزوَّجَ لأنَّ الآخرَةَ دارُ النِّكاحِ والأزواجِ، وإن كان فقيرًا استغنى، وقد يدلُّ دخولُها على السَّعي إلى الجُمُعَةِ والجَمَاعةِ ودارِ العِلم وحِلَقِ الذِّكْرِ والجِهَادِ والرِّبَاطِ وكلِّ مكانٍ يؤدِّي إليها.
          فَصْلٌ: قال: ومَن رأى أنَّه يتوضَّأُ في النَّومِ فإنَّه وسيلةٌ إلى السُّلطان أو إلى عملٍ مِن الأعمال، فمن تمَّ له في النُّومِ تمَّ له ما يؤمِّلُه في اليقظةِ، وإن تعذَّر عليه أو عَجَزَ الماء أو توضَّأَ بما لا يجوزُ الصَّلاةُ به لم يَتِمَّ له ما يحاولُه، والوُضُوءُ للخائفِ في اليقظةِ أمانٌ له لِمَا جاء في فضْلِ الوُضُوءِ، وربَّما دلَّ الوُضُوءُ على الثَّوابِ وتكفيرِ الخطايا؛ لِمَا جاء أنَّها تخرُجُ مع آخِرِ قَطْرِ الماء، وربَّما دلَّ الوُضُوءُ على الصَّوم لأنَّ الصَّائمَ ممتنعٌ مِن كثيرٍ مِن لذَّاتِهِ والمتوضِّئُ يُدَانيه في ذلك. والوُضُوءُ والصَّومُ واللِّجَامُ ورِبَاطُ اليَدِ والقَيْدُ شُركاءُ في التَّأويلِ ويَتَعاقبون في التَّعبير.