التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب رؤيا الليل

          ░11▒ بَابُ رُؤْيَا اللَّيْلِ
          رَوَاهُ سَمُرَةُ ☺.
          وهو حديثٌ طويلٌ أخرجه بِطُولهِ مِن حديثِ أَبِي رَجاءٍ عنه في آخِرِ التَّعبيرِ في باب تعبيرِ الرُّؤيا بعد صلاةِ الصُّبْحِ كما ستعلَمُهُ [خ¦7047] وأخرجه مُسلمٌ مِن هذا الوجه أيضًا.
          ثمَّ ساقَ البُخَارِيُّ في البابِ أحاديثَ:
          6998- أحدُها: حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم: (أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ الْبَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ فِي يَدِي) ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا.
          6999- ثانيها: حديثُ ابْنِ عُمَرَ ☻ أَنَّ رَسُولَ الله صلعم قَالَ: (أُرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ، قَدْ رَجَّلَهَا تَقْطُرُ مَاءً، مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ _أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ_ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ).
          ثالثُها: حديثُ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ☻ كَانَ يُحَدِّثُ (أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صلعم فَقَالَ: إِنِّي رأيتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ) وَسَاقَ الْحَدِيثَ. تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِاللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ☺، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم. وَقَالَ شُعَيْبٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم. وَكَانَ مَعْمَرٌ لَا يُسْنِدُهُ حَتَّى كَانَ بَعْدُ.
          ثمَّ قال:
          ░12▒ بَابُ رُّؤْيَا النَّهَارِ
          وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: عَنِ ابْنِ سِيْرِينَ: رُؤْيَا النَّهَارِ مِثْلُ رُؤْيَا اللَّيْلِ.
          7001- 7002- ثمَّ ساقَ حديثَ أَنَسٍ ☺ فِي قِصَّةِ أُمِّ حَرَامٍ بِطُولِه وقد سَلَفَ [خ¦2788].
          ومعنى هذَين البابينِ أنَّه لا يُخَصُّ نومُ النَّهَارِ على نومِ اللَّيل ولا نومُ اللَّيلِ على نومِ النَّهَارِ بشيءٍ مِن صِحَّةِ الرُّؤيا وكَذِبِها، وأنَّ الرُّؤيا متى ما رُئِيَتْ فحُكمُها واحِدٌ.
          فَصْلٌ: / تعليقُ الزُّبَيْدِيِّ أخرجه مُسلمٌ عن حاجِبِ بنِ الوليدِ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ عنه. ومتابعةُ سُفْيَانَ رواها أيضًا عن ابنِ أَبِي عُمَرَ عنه. وتعليقُ سُلَيْمانَ رواه أيضًا عن الدَّارِميِّ عن مُحَمَّدِ بن كَثِيرٍ عنه، وشُعَيبٌ وإِسْحَاقُ رواه أبو بَكْرٍ عنهما. قال: الإسْمَاعيليُّ: ورواه ابنُ شِهَابٍ عن سُلَيْمانَ بنِ يَسَارٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ ☻ عن رسولِ الله صلعم، ثمَّ ساقَهُ بإسنادِه إليه.
          وقولُه: (وَكَانَ مَعْمَرٌ: لاَ يُسْنِدُهُ حَتَّى كَانَ بَعْدُ) أخرجه مسلمٌ عن عبدِ الرَّزَّاق عنه عن الزُّهْرِيِّ عن عُبَيدِ الله عن ابنِ عبَّاسٍ وأبي هُرَيْرَةَ. قال عبدُ الرَّزَّاق: كان مَعْمَرٌ أحيانًا يقولُ: ابن عبَّاسٍ وأحيَّانًا يقول: عن أبي هُرَيْرَةَ: ((أنَّ رجلًا أَتَى رسولَ الله صلعم)) الحديث. وعندَ الإسْمَاعيليِّ: قال مَعْمَرٌ _مِن حديثِ عبدِ الرَّزَّاق_ عنِ الزُّهْرِيِّ عن عُبيد الله عن ابنِ عبَّاسٍ أنه قال: كان أبو هُرَيْرَةَ يحدِّثُنا.
          فَصْلٌ: وتأويلُ المفاتيحِ في النَّومِ أسبابُ الفَتْحِ، والمعنى أُتِيتُ ما دلَّني على أنَّه سَيُفتَحُ لي ولأُمَّتِي خزائِنُ الأرضِ ممَّا يَرفَعُ عنهم المسْغَبةَ والفقرَ، وما يَدِينُ لهم مُلُوكُ الأرضِ؛ لأنَّ الخزائنَ _أعني خزائِنَ الأرضِ_ بأيدِي الملوكِ، وهو في معنى قولِه: ((وزُوِيَتْ ليَ الأرضُ)). الحديث.
          فَصْلٌ: والمرادُ بِـ (مَفَاتِيحَ الكَلِمِ) الفصاحةُ والإيجازُ. والخَزَائنُ ما فَتَحَ الله تعالى على أُمَّتِهِ مِن كنوزِ كِسرى وقَيْصَرَ وغيرِهما، ومعنى: (تنتثلونهاُ) تؤدَّى إليكم خَزَائنُ الأرض في غنائمِها.
          و(الْبَارِحَةَ) أقربُ ليلةٍ مَضَتْ، وهي مِن بَرِح أي زالَ. وفيه دِلالةٌ على جوازِ إطلاقِ البارِحَةِ على اللَّيلةِ الماضيةِ وإن كان قبْلَ الزَّوالِ، كذا قيل وإنَّما يَتِمُّ أنْ يكونَ ◙ قال ذلك قَبْلَه، نعم كانَ مِن عادتِه أن يقولَ بعدَ الصُّبْحِ: ((هل رأى منكم الليلةَ أحدٌ رؤيا؟)) كما ستعلَمُه. وادَّعى ثعلبٌ أنَّه لا يُقالُ: البارِحَةَ إلَّا بعدَ الزَّوالِ، ويُحمَلُ على إرادةِ الحقيقةِ دون المجازِ، ولا شكَّ أنَّ المبادرةَ إلى السُّؤالِ عن الرُّؤيا أوَّلَ النَّهَار مطلوبةٌ لأنَّ الذِّهن مجتمِعٌ لم يتشعَّبْ بِشُغْلِ المعاشِ، ولِقُرْبِ عَهْدِ الرَّائي بالرُّؤيا.
          فَصْلٌ: وأثر ابنُ عَونٍ عن ابنِ سِيْرِينَ: (رُؤْيَا النَّهَارِ مِثْلُ رُؤْيَا اللَّيْلِ) أخرجه أبو الحَسَنِ عليُّ بنُ أبي طالبٍ في كتابه «نَوْرُ البُستان ورَبيع الإنسان» مِن حديثِ مَسْعَدةَ عن ابن عَونٍ به، ثمَّ قال: ولا فرقَ بينَ رُؤيا اللَّيلِ والنَّهَارِ، وحُكمُهما واحِدٌ في العِبارةِ، وكذا رؤيا النِّساءِ كرُؤيا الرِّجالِ.
          فَصْلٌ: وقولُه: (آدَمَ) كذا هو في الأُصُولِ والشُّروح، وذكره ابنُ التِّين بلفِظِ: <آدَمَ أسْمَرَ> ثمَّ قال: كذا في «المجمَل» و«الصِّحاح». وقال الدَّاوُدِيُّ: هو إلى السُّمْرَةِ أَمْيَلُ. وقال أبو عبد الملِكِ: الآدَمُ فوقَ الأَسْمَرِ يعلوه سوادٌ قليلٌ.
          وقولُه: (ذا لِمَّة) هو _بكسْرِ اللَّامِ_ الشَّعَرُ يجاوِزُ شَحْمَةَ الأُذُنَين، فإذا بَلَغَ المَنْكِبَيْنِ فهي جُمَّةٌ، والوَفْرَةُ دون ذلك إذا بَلَغَ شَحْمَةَ الأُذُنَين، وسُمِّيتْ لِمَّةً لأنَّها ألَمَّت بالمَنْكِبَيْن. هذا ما في «الصِّحاح» و«المجمَل» و«غريبي الهَرَوِيِّ». وقال أبو عبد الملِكِ: الجُمَّةُ، وقال الدَّاوُدِيُّ: الوَفْرَةُ.
          وقولُه: (قَدْ رَجَّلَهَا) هو أن يَبُلَّها بالماء ثم يمشِّطَها. وقيل: هو أن يدَّهِنَ ويمشط ويَلوي شَعَثَهُ، وقيل: يغسلُها.
          وسُمِّيَ (الْمَسِيحُ) مسيحًا إمَّا لِسِياحَتِهِ، أو لأنَّه كان لا يَمْسَحُ ذا عاهةٍ إلَّا بَرَأَ، أو لأنَّه مُسِحَ بالبَرَكَةِ عند وِلادتِهِ، أو مُسِحَ بالدُّهْنِ فَخَرَجَ مِن بطْنِ أُمِّه ممسوحًا بالدُّهْنِ، أوِ اسمٌ خُصَّ به، أو لِمَسْحِ زَكَرِيَّا إيَّاه، أو أصْلُه بالعِبْرانِيَّةِ فعُرِّبَ كَمُوسَى، أو لأنَّه لا أخمصَ لِرِجْلَيهِ، أو لأنَّه كان يَمْسَحُ الأرض، أو لأنَّه كان يلبسُ المِسْح، أو المسيحُ الصِّدِّيقُ، قاله ابنُ الأعرابيِّ. أقوالٌ سلفت.
          وأمَّا الدَّجَّالُ فلُقِّبَ بالمسيحِ إمَّا لِسِيَاحَتِهِ، أو لأنَّه ممسوحُ العينِ، أو لأنَّه يمسَحُ الأرضَ، أو لِغَيْرِ ذلك، وهو مخفَّفٌ ومثقَّلٌ وبالخاء المعجَمة وأُنكِرَا. قال أبو الهيثم: المسيخُ ضدُّ المسيح، يُقال: مَسَحهُ اللهُ، أي خَلَقَه خَلْقًا حَسَنًا مباركًا، ومَسَخَهُ خَلَقه خلقًا مقلوبًا قبيحًا.
          وقولُه: (جَعْدٍ قَطَطٍ) هو بفتْحِ الطَّاء، أي شديدُ الجُعُودةِ، يُقال: قَطِطَ شَعَرُهُ، بالكسْرِ، وهو أحدُ ما جاء على الأصل بإظهارِ التَّضعيفِ، ورَجُلٌ قَطُّ الشَّعَرِ وقَطَطُ الشَّعَرِ بمعنًى.
          وقولُه: (عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ) يُقال: طَفَا الشَّيءُ على الماء يَطْفُو إذا عَلَاهُ، فَعَيْنُ الدَّجَّالِ طافيةٌ على وجهِهِ قد بَرَزَتْ كالعِنَبَةِ. قال ابنُ بطَّالٍ: مَن قَرَأَ: <طافئةً> بالهمْزِ فمعناه أنَّ عينَهُ مفقودةٌ ذهبَ ضَوؤُها، والمعنى كأنَّها عِنَبةٌ نَضِجَتْ فَذَهَبَ ماؤُها، ومَن قَرَأَ بغيرِه فمعناه أنَّها بَرَزَتْ وخَرَجَ الباطنُ الأسودُ فيها لأنَّ كلَّ شيءٍ ظَهَر فقد طَفَا يَطْفُو طَفْوًا، ومنه طافي البحْرِ. قال الأخفشُ: ووزن عِنَبة فِعَلَةٌ، وهو بناءٌ نادرٌ للواحدِ، وإنما يُعْرَفُ للجمْعِ كَقِرَدَةٍ وفِيَلَةٍ، وهو بناءٌ قليلُ الواحدِ جاءَ منه حِبَرَةٌ وطِيَرَةٌ وتِوَلَةٌ وطِيَبَةٌ وخِيَرَةٌ، قال الجَوْهَرِيُّ: لا أعرفُ غيرَ هذا. وسُمِّيَ الدَّجَّالُ دجَّالًا إمَّا لِكَذِبِهِ وتمويهِهِ أو لِكِبرهِ.
          فَصْلٌ: ومعنى: (يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ) في قِصَّةِ أمِّ حَرَامٍ: وَسطَهُ أو ظَهْره. وأمُّ حَرَامٍ هذِه هي خالةُ أَنَسٍ. وأَكْلُهُ ممَّا تُطْعِمُهُ إمَّا لِعِلْمِهِ أنَّ زوجَها يُحِبُّ ذلك أو يكونُ مِن مالِها.
          وقولُه: (فَرَكِبَتِ البَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ) ظاهرُه أنَّه زمنُ ولايتِه الكُبرى إذْ لا يُضافُ زَمَنُ فلانٍ إلَّا على هذا الوجه. وذُكِرَ عن ابنِ الكَلْبيِّ: أنَّ رُكوبَها كان في زمنٍ تولَّى فيه مُعَاويَةُ الإمارةَ، لَيْسَ زَمَنَ استيلائِه على الخلافةِ كلِّها. قال ابنُ التِّين: قيل: وفي الحديث دليلٌ على جوازِ إمارةِ مُعَاويَةَ. قلتُ: لا شكَّ فيها.