التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب المبشرات

          ░5▒ بَابُ المُبَشِّرَاتِ
          6990- ذَكَرَ فيه حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: (لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّراتُ) قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّراتُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ).
          الشَّرحُ: أسلفْنا في البابِ قَبْلَه أنَّ ابنِ عبَّاسٍ رواه أيضًا، وقد سَلَفَ تفسيرُ: {لَهُمُ البُشْرى} [يونس:64] أيضًا فيه مِن حديثِ عُبَادةَ وأبي الدَّرداءِ ☻، وذكره ابنُ بطَّالٍ مِن حديثِ أَبِي الدَّرداءِ، وقال: رُوِيَ مِثْلُهُ عن ابنِ عبَّاسٍ وعُرْوةَ ومجاهِدٍ.
          والمرادُ بقولِه: (إِلَّا الْمُبَشِّراتُ) يعني بعدَه، وكذا رُوِيَ مُفَسَّرًا: ((ليس يَبقَى بَعْدِي مِن النُّبوَّةِ إلا الْمُبَشِّراتُ)) يريدُ أنَّ الوحيَ ينقطِعُ بموتِه فلا يَبْقَى ما يُعْلِمُ أنَّه سيكون إلَّا الرُّؤيا الصَّالحةُ، قيل: ومنه قولُه تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْيًا} [الشورى:51].
          قال المُهَلَّب: وحديثُ البابِ خَرَجَ لفظُه على العُمُومِ ومعناه على الخصوص، وذلك أنَّ الْمُبَشِّراتِ هي الرُّؤيا الصَّادقةُ مِن الله الَّتي تَسُرُّ رائيها، وقد تكون صادقةً مُنذِرةً مِن قِبَلِ الله لا تَسُرُّ رائيها؛ يُرِيها اللهُ للمؤمن رِفْقًا به ورحمةً له ليستعدَّ لِنزولِ البلاء قبلَ بلوغِه، فقولُه: (لَمْ يَبْقَ بَعْدِيْ إِلَّا الْمُبَشِّراتُ) خرجَ على الأغلبِ مِن حالِ الرُّؤيا. وقال مُحَمَّد بن واسِعٍ: الرُّؤيا بُشْرَى للمُؤمنِ ولا تَغُرُّه.
          فإن قلتَ: فقد يَرَى الرُّؤيا الحَسَنةَ / أحيانًا ولا يجِدُ لها حقيقةً في اليقظةِ. فالجوابُ: أنَّ الرُّؤيا مختلفةُ الأسبابِ، فمنها مِن وسوسةٍ وتحزينٍ للمسلم، ومنها مِن حديثِ النَّفْسِ في اليقظةِ فيراهُ في نومِهِ، ومنها ما هو وحيٌ مِن الله، فما كانَ مِن حديثِ النَّفْسِ ووسوسةِ الشَّيطانِ فإنَّه الذي يَكْذِبُ، وما كان مِن قِبَلِ اللهِ فإنَّه لا يكذِبُ، وبنحو هذا ورد الخبرُ عن رسولِ الله صلعم، وقد سَلَفَ حديثُ أبي هُرَيْرَةَ ☺ في تقسيمِ الرَّؤيا أنَّها ثلاثٌ: بُشْرَى وحديثُ النَّفْسِ وتحزينٌ مِن الشَّيطانِ.