التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب عمود الفسطاط

          ░24▒ بَابُ عَمُودِ الفُسْطَاطِ
          ثمَّ قال:
          ░25▒ بَابُ الْإِسْتَبْرَقِ تَحْتَ وِسَادَتِهِ، وَدُخُولِ الْجَنَّةِ فِي الْمَنَامِ.
          7015- 7016- ذَكَرَ فيه حديثَ ابْنِ عُمَرَ ☻: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي سَرَقَةً مِنْ حَرِيرٍ لَا أُهْوِي بِهَا إِلَى مَكَانٍ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَقَالَ: (أَخُوكِ رَجُلٌ صَالِحٌ أَوْ قَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ).
          الشرح: ما ذكرْناه مِن التَّرجمةِ مِن ذِكْرِ بابٍ عَقِبَ بابٍ هو ما في الأصول، وأمَّا ابنُ بطَّالٍ فجعلهما واحدًا، وحذَفَ الأوَّلَ ابنُ التِّين.
          و(لاَ أُهْوِي) هو بضمِّ الهمزةِ، مِن قولِهم: أَهويتُ بالشَّيءِ إذا أَوْمَأْتَ إليه. قال الأصْمَعِيُّ: أَهْوَيْتُ بالشيء إذا أَوْمَأْتَ إليه، ويُقال: أَهْوَيْتُ له بالسَّيفِ. وفيه مِن الفوائدِ النِّيابةُ في تعبيرِ الرُّؤيا.
          قال المُهَلَّب: السَّرَقَةُ الكِلَّةُ وهي كالهَوْدَجِ عند العربِ، وكونُ عَمُودِها في يدِ ابنِ عُمَرَ ☻ دليلٌ على الإسلامِ، وطُنْبُها الدِّينُ والعِلمُ بالشَّريعةِ الَّذي به يُرزَقُ التَّمَكُّنَ مِن الجنَّةِ حيث شاء، وقد يعبَّر بالحريرِ هنا عن شَرَفِ الدِّين والعِلمِ لأنَّه أشرفُ ملابس الدُّنيا، فكذلك العِلمُ بالدِّين أشرفُ العلوم، ودخولُ الجنَّةِ منامًا دالٌّ على دخولِها في اليقظة؛ لأنَّ مِن بعضِ وجوهِ الرُّؤيا وجهًا يكون في اليَقَظَةِ كما يَرَى أيضًا، وقد يكون دخولُها الدُّخولَ في الإسلامِ / الَّذي هو سببُها لأنَّ مَن دَخَلَه دَخَلَها كما قال تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي. وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:29-30] وطَيَرَانُ السَرَقَةَ قُوَّةٌ يرزُقُهُ الله على التَّمكُّنِ مِن الجنَّةِ حيث شاء كما أكرم اللهُ جَعْفرًا بالطَّيران فيها، وفي الحديث: ((إنَّما نَسَمةُ المؤمِنِ طائرٌ تَعْلَقُ مِن شَجَرِ الجنَّة)).
          فإن قلت: كيف ترجمَ عَمُودَ فُسْطَاطٍ تحتَ وِسَادَتِه ولمْ يَذكُرْها في الحديث؟ قلتُ: كأنَّه رَأَى حديثَ السَّرَقَةِ أكملَ ممَّا ذكرَه في «كتابه» وفيه أنَّ السَّرَقَةَ مضروبةٌ في الأرضِ على عَمُودٍ كالخِبَاء وأنَّ ابن عُمَرَ اقتلعَها مِن عَمُودِها فَوَضَعَها تحتَ وِسَادته، وقام هو بالسَّرَقة يُمسِكُها، وهي كالهَوْدَجِ مِن إستبرقَ فلا يَنوِي مكانًا مِن الجنَّةِ إلَّا طارت إليه.
          ولم يرْضَ سَنَدَهُ بهذه الزِّيادة فلمْ يذكُرْهُ، وأدخَلَهُ في «كتابِه» مِن طريقٍ وثَّقه. وقد فعلَ في «كتابه» مِثْلَ هذا كثيرًا فقال: بابٌ إذا حَرَّقَ المشركُ المسلمَ هل يحرَّق؟ ثُم أدخَلَ فيه سَمَلَ الرُّعاةِ، وإنَّما ترجمَ بذلك لِيَدُلَّ أنَّ ذلك مِن فِعْلِهِم مَرْويٌّ، وكما فَعَلَ بِقَوْلِ سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ في الأَوْسُق المُوَسَّقَة في بَابِ العَرَايا فَتَرَكَه لتَبَيُّنِ سَنَدِه أوَّلًا ثمَّ أعجلَتْه المنيَّة عن تهذيبِ «كتابِه» كذا أجابَ به المُهَلَّب.