التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الخضر في المنام والروضة الخضراء

          ░19▒ بَابُ الْخُضَرِ فِي الْمَنَامِ وَالرَّوْضَةِ الْخَضْرَاءِ
          7010- ذَكَرَ فيه حديثَ مُحَمَّدِ بْنِ سِيْرِينَ قَالَ: قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. الحديثُ، وفيه الرَّوضَةُ الخَضْرَاءُ وأنَّه ◙ قال: (يَمُوتُ عَبْدُ اللهِ وَهُوَ آخِذٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى).
          وترجَمَ عليه بَعْدُ: بابُ التَّعليقِ بالعُرْوة الوُثْقى، وقال فيه: وقيل لِيَ: ارْقَهْ، فقلتُ: لا أستطيع، فأتاني وَصِيفٌ فرَفَعَ ثيابي فَرَقِيتُ. الحديث [خ¦7014] والرَّوضَةُ الَّتي لا يُعرَفُ نَبْتُها دالَّةٌ على الإسلامِ لِنَضارَتِها وحُسْنِ بهجتِها، وقد تأوَّلَها بذلك الشَّارعُ، وقد تدلُّ مِن الإسلام على كلِّ مكانٍ فاضلٍ يُطاعُ اللهُ فيه كقبْرِ رسولِه وحِلَقِ الذِّكْرِ وجوامعِ الخيرِ وقبورِ الصَّالحين؛ لِقولِه ◙: ((ما بين قبرِي ومِنْبَرِي روضةٌ مِن رِياضِ الجنَّةِ)) وقولِه: ((ارتعُوا في رِيَاض الجنَّةِ)) يعني حِلَقَ الذِّكْر، وقولِه: ((القبرُ روضةٌ مِن رِيَاض الجنَّةِ أو حُفْرةٌ مِن حُفَر النَّار)) وقد تَدُلُّ الرَّوضةُ على المصْحَفِ وعلى كتابِ العِلْمِ لِقولهم: الكُتُبُ رِياضُ الحكماء.
          والعَمُودُ دالٌّ على كلِّ ما يُعتمَدُ عليه كالقرآنِ والسُّنَنِ والفقهِ في الدِّين، وعلى الفقيهِ والحاكمِ والوالِدِ والسَّيِّدِ والزَّوجِ والزَّوجةِ والمالِ، وبمكانِ العَمُودِ وصِفاتِ المنامِ يُستدلُّ على تأويلِ الأمْرِ وحقيقةِ التَّعبيرِ. وكذلك العُرْوةُ بالإسلامِ والتَّوحيدِ وهي العُرْوةُ الوُثْقَى، قال تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى} [البقرة:256].
          فأخبرَ الشَّارعُ أنَّ ابنَ سَلَامٍ يموتُ على الإيمان، ولِما في هذِه الرُّؤيا مِن شواهدِ ذلك حَكَمَ له الصَّحابةُ بالجنَّةِ لِحُكْمِ الشَّارعِ بموتِه على الإسلامِ. وقال الدَّاوُدِيُّ: قالوا لأنَّه كان بدريًّا. وفيه القطْعُ بأنَّ كلَّ مَن ماتَ على الإسلامِ والتَّوحيدِ لله بالجنَّة، وإن نالتْ بعضَهم عُقوباتٌ.
          وقولُ ابنِ سَلَامٍ: (مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) إنَّما قالَه على سبيلِ التَّواضُعِ، وكَرِه أن يُشَارَ إليه بالأصابعِ فيدخُلَه العُجْبُ فيَحْبَطَ عَمَلُهُ.
          فَصْلٌ: (عُبَادٍ) والدُ قيسٍ، بِعينٍ مهمَلةٍ مضمومةٍ. والْحَلْقَةُ بإسكانِ اللَّامِ وفي لُغةٍ رديئةٍ فتْحُها. والرَّوْضَةُ الدُّنيا، والعَمُودُ والمِعْرَاجُ الَّذي يَطْلُعُ منه العملُ، والحَبْلُ السَّببُ الَّذي بينَه وبين الله، والعُرْوَةُ عُرْوة الإسلام كما مرَّ.
          وقولُه: (وَفِي أَسْفَلِهَا مِنْصَفٌ، وَالمِنْصَفُ الوَصِيفُ) قال ابنُ التِّين: رُوِّيناه: <مَنْصَفٌ> بفتْحِ الميم، وفي بعضِ النُّسَخِ بكسْرِها، وكذا ضبَطَه الدِّمياطِيُّ، وكذا هو في «كتاب ابنِ فارسٍ» ضبْطًا. قال الهَرَوِيُّ: يُقالُ: نَصَفْتُ الرَّجُلَ فَأَنَا أَنْصَفَهُ نِصَافةً إذا خَدَمْتُهُ، والْمِنْصَفُ الخَادِمُ كما ذكره، والمرادُ / هنا بالوَصِيفِ عونُ الله له. قيل: وفي عبدِ الله بن سَلَامٍ نَزَلَ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف:10] وهو مِن وَلَدِ يُوسُفَ ◙.