التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الضب

          ░33▒ بابُ الضَّبِّ
          5536- ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ ☻: قال النَّبِيُّ صلعم: (الضَّبُّ لَسْتُ آكُلُهُ وَلاَ أُحَرِّمُهُ).
          5537- وحديث خالد بن الوليد أنَّه أكلَ بحضرتِهِ. الحديث بطولِه سلف الكلام عليه، وهو مباحٌ عند مالكٍ والشَّافِعِيِّ، وكرهه أبو حنيفَةَ. وحديث الباب صريحٌ في الإباحة، وعُلِّل بالعِيَافةِ.
          وهذا الضَّبُّ جاء أنَّه أهداه خالةُ ابن عبَّاسٍ أمُّ حُفيدٍ أو حُفَيدة بنت الحارثِ بن حَزْنٍ أخت مَيْمُونة وكانت رجلٍ مِن بني جَعْفَرٍ.
          وفي لفظٍ: ((كلوا فإنَّه حَلالٌ))، وفي آخر: ((لا بأسَ به))، وفي آخر: ((لا آكلُهُ ولا أنهى عنه)). ولأبي داودَ، عن ابن عبَّاسٍ ☻: / فجاءوا بِضَبَّين مَشْويَّين على ثمامتين، فتبزَّقَ رسولُ الله صلعم، فقال له خالدٌ: إخالُكَ تَقْذَرُهُ يا رسولَ الله. قال: ((أجل)).
          وفي «الموطَّأ» مِن حديثِ سُلَيم بن يَسَارٍ رَفَعه: ((مِن أينَ لكم هذا؟)) يعني: ضِبَابًا فيها بَيْضٌ، فقالت: أهدتهُ إليَّ أختي هُزَيْلَة، فقال: ((كلَّا))، فقالا _يعني ابن عبَّاسٍ وخالته_: قال: ((إنِّي حَضَرني مِن الله حاضِرٌ _يريد الملائكةَ_ والضَّبُّ له رائحةٌ ثقيلةٌ)). فكَرِه أذى الملائكة بذلك، ذكره أبو القاسم في «شرح الموطَّأ».
          ولمُسلمٍ مِن حديثِ أبي سَعِيدٍ مرفوعًا: ((إنَّ الله غَضِب على سِبْطٍ مِن بني إسرائيلَ فمَسَخَهم دوابَّ يَدِبُّون في الأرض، فلا أدري لعلَّ هذا منها، فلستُ آكلُها ولا أنهى عنها)). قال أبو سَعِيدٍ: فلمَّا كان بعد ذلك قالَ عُمَرُ: إنَّ الله تعالى لينفعُ به غير واحدٍ، وإنَّه لطعام عامَّة الرِّعَاءِ، ولو كان عندي لَطَعِمتُهُ، وإنَّما عافَهُ رسول الله صلعم.
          وفي حديث جابرٍ أنَّه ◙ قال: ((لا أدري)) أو قال: ((لعلَّهُ مِن القُرُون التي مُسِخَت)).
          وعن ثابتِ بن وَدِيعةَ عند أبي داودَ: كنَّا مع رسول الله صلعم في جيشٍ فأصَبْنا ضَبًّا، فَشَويت منها ضَبًّا ووضعتُهُ بين يدي رسول الله صلعم، فأخذَ عُودًا فعدَّ به أصابعَهُ ثمَّ قال: ((أُمَّةٌ مِن بني إسرائيلَ مُسِخت دوابَّ في الأرضِ، وإنِّي لا أدري أيَّ الدَّوابِّ هي)) فلم يأكُلْ ولم ينهَ. وصحَّ عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى أنَّه ◙ وجدَ رِيحَ ضَبٍّ فرخَّصَ لهم في أكلِه. وعن ابن المسيِّب قالَ عُمَرُ: ضبٌّ أحبُّ إليَّ مِن دَجَاجةٍ. وعن الشَّعْبِيِّ أنَّه ◙ سُئِل عن الضَّبِّ، فقال: ((حلالٌ لا بأسَ بأكلهِ لكنِّي أعَافهُ)).
          ولأبي داودَ عن ابن عُمَرَ بإسنادٍ جَيِّدٍ أنَّه ◙ قال: ((وددِتُ أنَّ عندي خُبْزةً بيضاءَ مِن بُرَّةٍ سمراء مُلَبَّقة بِسَمْنٍ ولَبَنٍ))، فقام رجلٌ مِن القوم فجاء به، فقال: ((في أيِّ شيءٍ كان السَّمْن؟)) قال: في عُكَّةِ ضَبٍّ. فقال: ((ارْفَعْهُ)).
          وعن عبد الرَّحْمَن بن شِبْلٍ: ((أنَّه ◙ نهى عن أكل لحمِ الضَّبِّ)).
          وروى ابن أبي عاصِمٍ بإسنادٍ جَيِّدٍ عن عبد الرَّحْمَن بن حَسَنةَ قال: كُنَّا مع النَّبِيِّ صلعم فنزلنا أرضًا كثيرة الضِّبَاب فذبحنا، فبينما القُدُور تَغْلي بها إذ خرج رسول الله صلعم فقال: ((أُمَّةٌ مِن بني إسرائيلَ فُقدت، وإنِّي أخاف أن تكون مِن هذا))، فأَكْفَأنَاها وإنَّا لِجياعٌ.
          وعن أبي سَعِيدٍ قال: أُتِي رسول الله صلعم بِضَبٍّ، قال: ((اقْلِبُوه))، فَقَلَبوه، فقال: ((تاهَ سِبطٌ مِن بني إسرائيلَ حين غَضِبَ الله عليهم، فإن يكن فهو هذا)). وعن عَائِشَة ♦: أُهْدِي إلى رسول الله صلعم فلم يأكل منه، فقلت: يا رسولَ الله، أَلَا نُطْعِمُهُ السُّؤَّال؟ فقال: ((لا تطعموا السُّؤالُ ما لا تأكلون)) فإن قلت: قد يُحْمَل على الرَّداءة لا الحُرمة، كما نهى عن الصَّدَقةِ بالرَّديء.
          قلت: ذاك عند القُدرة على غيرِه دونَ ما إذا لم يكن عنده سواه، أو كان نفرَ مِن طبعه دون طبعِ غيره، والظَّاهر أنَّ عَائِشَةَ لم يكن عندها سواه. والأشبه أن تُحمَل الكراهة عند الحَنَفيَّة على التَّنزيه لِتتفِقَ معاني الآثار وكما أسلفناه مِن أنَّ المسخَ لا يُعقب.
          قال ابن أبي عاصِمٍ: وفي الضَّبِّ عن أبي مريمَ الكِنْديِّ وعبد الرَّحْمَن بن شِبْلٍ وَسَمُرةَ ومَيْمُونةَ وخُزَيمة بن جَزْءٍ.
          قلت: حديث سَمُرةَ أخرجه الدَّارِمِيُّ، ولفظه: ((أُمَّةٌ مِن بني إسرائيل مُسِخت، فلا أدري أيَّ الدَّوابِّ مُسِخت)).
          ثُمَّ ساقه مِن حديثِ أبي هُرَيْرَةَ مرفوعًا قال: ومنها ألفاظٌ مختلفةٌ على رجالٍ شتَّى مِن الصَّحابة، لم يصحِّح أحدٌ منهم عن رسول الله صلعم تحريمُها، وأكثر مَن روى أنَّه أمسكَ عن أكلها عِيَافةً.
          وحديث عبد الرَّحْمَن بن حَسَنةَ يدلُّ على النَّهي، إذ أمرَ أن تُكفَأ القُدُور بها. وحديث مَيْمُونةَ أخرجه ابن أبي شَيْبَةَ مِن حديثِ يزيد بن أبي زِيَادٍ بلفظ: ((إنَّكما أهل نجْدٍ تأكلونها، وإنَّا أهل المدينة لا نأكلُها)).
          ومِن حديثِ الحارث عن عليِّ بن أبي طالبٍ ☺ أنَّه كَرِه أكلها.
          فَصْلٌ: قال ابن حزمٍ: أكلُ الضَّبِّ حلالٌ ولم يرَ أبو حنيفة أكلَهُ.
          روى أبو الزُّبَير عن جَابِرٍ ☺ أنَّهُ سُئِلَ عن الضَّبِّ فقال: لا نَطْعَمهُ. قال: وحديث عبد الرَّحْمَن بن شِبْلٍ ففيه ضعفاءُ مجهولون، وأمَّا حديث عبد الرَّحْمَن بن حَسَنةَ فصحيحٌ وحُجَّةٌ، إلَّا أنَّه منسوخٌ بلا شكٍّ، لأنَّ فيه أنَّه ◙ إنَّما أمر بإكفاءِ القُدُور بالضِّبابِ خوفَ أن تكون مِن بقايا مسْخِ الأُمَّة السَّالفة، هذا نصُّ الحديث، فإن وجدنا عنه ◙ ما يُؤمَن مِن هذا الظنِّ بيقينٍ فقد ارتفعت الكراهة أو المنع في الضَّبِّ فنظرنا في ذلك فوجدنا في «صحيح مُسلمٍ» عن ابن مسعودٍ، قيل: يا رسول الله، القِرَدةُ والخَنَازيرُ ممَّا مُسخ؟ فقال: ((إنَّ الله لم يُهْلِك قومًا أو يُعَذِّب قومًا فيجعل لهم نَسْلًا، وإنَّ القِرَدةَ والخَنَازير كانوا قبل ذلك)) فصحَّ يقينًا أنَّ تلك المخافة منه في الضِّباب أن تكون ممَّا مُسِخ قد ارتفعت وأنَّها ليس ممَّا مُسخ شيءٌ في صورتها.
          وحديث ابن عبَّاسٍ في أكلهِ بحضرة رسول الله نصَّ على تحليلِه وهو الآخر النَّاسخ، لأنَّ ابن عبَّاسٍ لم يجتمع _بلا شكٍّ_ مع رسول الله صلعم بالمدينة إلَّا بعد انقضاء الفتح وحُنَينٍ والطَّائف ولم يغزُ بعدها إلَّا تَبُوك، ولم تُصِبهم في تَبُوكَ مجاعةٌ أصلًا، فصحَّ يقينًا أنَّ خبر ابن حَسَنة كان قبل هذا بلا مِرْيةٍ فارتفع الإشكال جُملةً وصحَّت إباحة عُمَرَ وغيره.
          قلت: قولُه: لأنَّ ابن عبَّاسٍ.. إلى آخرِه. قد يحتمل أنَّه كان لَمَّا تزوَّجَ مَيْمُونة، ويُحمَل قولُه: في بيت مَيْمُونة، على موضعٍ منها أيَّ موضعٍ كان. وغزوة تَبُوك سمَّاها الربُّ تعالى بالعُسْرة، وقد أسلفنا عن عَائِشَة ♦ وعبد الله بن عُمَرَ في كراهة أكلِها.
          وقولُه في حديث ابن شِبْلٍ ما سلف مِن الطَّعن يردُّهُ أنَّ أبا داود أخرجه عن مُحَمَّد بن عوفٍ الحِمْصيِّ الإمام _وَثَّقَه الخلَّال ومسَلَمَةُ والجَيَّانيُّ_ عن الحكم بن نافِعٍ / وهو ثِقَةٌ عند أبي حاتمٍ الرَّازِيِّ وابن مَعِينٍ والخَلِيليِّ وابن حِبَّان في «ثِقَاته»، وأثنى عليه غيرُهم _عن إسماعيل بن عيَّاشٍ_ وقد قال جماعةٌ: حديثه عن الشاميِّين صحيحٌ، منهم يحيى بن مَعِينٍ والبُخَارِيُّ والعلاء بن ويَعْقُوبُ بن سُفْيَان وأبو زُرْعة وأبو أحمد الحاكم والبَرْقِيُّ والسَّاجِيُّ وابن حِبَّان وابن عَدِيٍّ وحديثه هنا عن الشاميِّين وهو ضَمْضَمُ بن زُرعة بن ثُوَب الحِمْصِيُّ الشَّامِيُّ وثَّقَه ابن حِبَّان، وقال الأَوْنَبيُّ في «ثقاته»: وثَّقهُ ابن نُمَيرٍ وغيرُه.
          وقال أبو بَكْرٍ أحمد بن مُحَمَّد بن عيسى البَغْداديُّ: لا بأس به عن شُرَيح بن عُبَيد الشَّاميِّ الحِمْصيِّ وهو ثِقَةٌ عند النَّسائيِّ ودُحَيمٍ وابن حِبَّان والعِجْليِّ ومُحَمَّد بن عوفٍ، وابن خَلْفُون عن أبي راشدٍ الحُبْرَانيِّ وهو ثِقَةٌ عند العِجْليِّ وابن حِبَّان والحاكم عن شُرَحبيل وصحبتُهُ ثابتةٌ بلا شكٍّ، فهذا إسنادٌ لا ضعيف فيه ولا مجهول.
          فَصْلٌ: قال الطَّبَرِيُّ عَقِب حديث خالدٍ: قال به جماعةٌ مِن السَّلَف وأحلُّوا أكلَه، رُوي عن عُمَر وعَائِشَة وابن مسعودٍ. وقال أبو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ: إنْ كان أحدنا ليُهدى إليه الضَّبُّ المَكُوْنَة أحبُّ إليه مِن أن تُهدى له الدَّجَاجةُ السَّمِينةُ.
          وروي عن ابن سِيْرِينَ، وهو قول مالكٍ والأوْزَاعِيِّ والشَّافِعِيِّ، وقد سلف عن أبي حنيفة الكراهة، ونقله الطَّبَرِيُّ عن الكوفيِّين أنَّ أكلَها مكروهٌ وليست بحرامٍ، ورُوي عن أبي هُرَيْرَةَ، وقال آخرون: حرامٌ واعتلُّوا بحديث الأعمش عن زيدِ بن وَهْبٍ، عن عبد الرَّحْمَن بن حَسَنةَ قال: كُنَّا مع رسول الله صلعم فنزلنا أرضًا كثيرة الضِّبابِ فَذَبَحْنَاها فبينما القُدُور تَغْلِي.. الحديث. وقد سلف، ثُمَّ ساق حديث عَائِشَة السَّالف أيضًا.
          قالوا: فالأخبار بالنَّهي عنها صحيحةٌ، وقد روى عبد الرَّحْمَن الشَّامِيُّ عن الحارث، عن عليٍّ ☺ أنَّه نهى عن الضَّبِّ، قال: والصَّواب في ذلك قول مَن قال أنَّه حلالٌ للخبر الصَّحيح عنه.
          وتركه عبَّادٌ كما قاله عَمْرٌو، ولم يأتِ خبرٌ صحيحٌ بتحريمِه، بل قاله له عُمَر: أحرامٌ هو يا رسول الله؟ قال: ((لا)).
          وقد روى الثَّوريُّ عن عَلْقَمَةَ بن مَرْثَدٍ، عن المغيرة بن عبدِ اللهِ اليَشْكُريِّ، عن المَعْرُورِ بن سُويدٍ، عن ابن مسعودٍ أنَّه ◙ سألته أمُّ حبيبٍ: يا رسول الله القِرَدةُ والخَنَازِيرُ؟.. الحديثَ، وقد سلف.
          قال الطَّحَاويُّ: فبيَّنَ في هذا الحديث أنَّ النُّسُوخَ لا يكون لها نَسْلٌ ولا عَقِبٌ فَعَلِمْنَا بذلك أنَّ الضَّبَّ لو كان مَسْخًا لم يبقَ.
          ورُوي عن ابن عبَّاسٍ أنَّه قال: لم يعش مَسْخٌ قطُّ فوق ثلاثة أيَّامٍ ولم يأكل ولم يشرب.
          وأمَّا حديث الأسود عن عَائِشَة ♦ فلا حُجَّة لهم فيه، ثمَّ ذكر ما أسلفناه مِن أنَّه أراد أن يكون ممَّا يتقرَّب به إلى الله مِن خير الطَّعام، كما نهى أن يتصدَّق بالبُسر والتَّمر الرديء، وفي ذلك نزلت {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267] وبقول مالكٍ قال الطَّحَاويُّ. قال الطَّبَرِيُّ: وليس في الحديث أنَّه ◙ قطَعَ أنَّ الضَّبَّ مِن المُسُوخ وإنَّما قال: أخشى أن تكون مُسخت على صُور هذه وَخِلْقتها، لا أنَّها بعينِها، فكرهها لشَبهها في الخِلْقة والصُّورة، خَلْقًا غَضِبَ الله عليه فغيَّرَهُ الله تعالى عن هيئتِهِ وصُورتهِ إلى صورتها، وعلى هذا التَّأويل يصحُّ معنى قولِه: إنَّ المسخَ لا يعقب.
          ومعنى قول ابن عبَّاسٍ السَّالف إذ لم يمسخ الله تعالى خَلْقًا مِن خَلْقِه على صُورة دابَّةٍ مِن الدَّوابِّ إلَّا كرَّهَ إلى نبيِّنا وأُمَّته أكلَ لحمِ تلك الدَّابَّة أو حرَّمها كتحريمِه عليهم لحوم الخنازير التي مُسِخت على صورتها أُمَّةٌ مِن اليَهُود، وكتحريمِه لحوم القِرَدة التي مُسِخت على صورتها فيهم أُمَّة أخرى غير أنَّ قولَه: ((أخشى أن تكون هذه)) بيانٌ واضحٌ أنَّه لم يتبيَّن أنَّ الضَّبَّ من نوع الأُمَّة التي مُسِخت؛ ولذلك لم يحرِّمها ولو تبيَّن له فيها ما تبيَّن مِن القِرَدة والخنازير لحرَّمها، ولكنَّهُ رأى خَلْقًا مشكلًا يشبه المُسُوخ فكرهه ولم يحرِّمه، ولم يأتِهِ وحيٌ مِن الله.
          فَصْلٌ: قال غيرُه: وفيه مِن الفِقه أنَّه يجوز للمرء أن يترك أكلَ ما هو حلالٌ إذ لم تجر له بأكله عادةٌ، ويكون في سَعَةٍ مِن ذلك.
          فَصْلٌ: معنى (أَعَافُهُ) أكرهُهُ، يقال: عَافَ الطَّعام يَعَافُهُ عِيَافةً وعيوفًا: إذا كَرِهَهُ. والْمَحْنُوذُ: المشويُّ، قال تعالى {جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69] أي: مَحْنُوذٌ، حَنَذْتُ اللَّحْمَ حَنْذًا: شَوَيْتُهُ.
          وقولُه: (فَاجْتَرَرْتُهُ) هو بالجيم والرَّاء المكرَّرةِ، وفي نسخة بالزَّاي.
          فَصْلٌ: (الضَّبُّ) بفتح الضَّاد حيوانٌ برِّيٌّ معروفٌ. قال الدَّاوُدِيُّ: هو دُوَيبةٌ صغيرةٌ فوق الحيَّة في الغِلَظ والطُولِ، وكان أهل المدينة يأكلونَها وكانت عند أحدهم خيرًا مِن دجاجةٍ، وقد أسلفناه عن عُمَرَ وغيرِه، وعبارة صاحب «الغريبين»: هي دُوَيبةٌ تشبه الوَرَل يأكلُه العرب، وكذا نصَّ عليه الجَوْهَرِيُّ أنَّ الوَرَل يشبهُ الضَّبَّ أيضًا. وهي لا تَرِد الماء، ومِن عجائبِه أنَّ الذَّكَر له ذَكَرَان والأنثى فَرْجانِ، ويشترك معه في هذه الخُصُوصيَّة السَّقَنْقُوْرُ وأنَّ أسنانَه لا تتبدَّلُ ولا يقلعُ منها شيءٌ، يقال: إنَّها قطعةٌ واحدةٌ.
          وأفاد ابن خَالَويه في كتاب «ليس»: أنَّه يعيشُ سبعمئة سنةٍ فصاعدًا، ويُقَال: إنَّها تبولُ في كلِّ أربعين يومًا قطرةً، وغير ذلك ممَّا أوضحتُه في «لغات المنهاج» فراجعه منه.