شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من رايا بقراءة القرآن أو تأكل به أو فخر به

          ░36▒ بَابُ: مَنْ رَاءَى بِقِرَاءَةِ القُرْآنِ، أَوْ تَأَكَّلَ بِهِ، أَوْ فَخَرَ بِهِ.
          فيهِ: عَلِيٌّ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ(1) الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الِإسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوْهُمْ، فَإِنَّ(2) قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ). [خ¦5057]
          وفيهِ: أَبُو سَعِيْدٍ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (يَخْرُجُ فِيْكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُوْنَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ في النَّصْلِ فَلا يَرَى شَيْئًا وَيَنْظُرُ في القِدْحِ فَلا يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ في الرِّيشِ فَلا يَرَى شَيْئًا، وَيَتَمَارَى فِي الفُوْقِ). [خ¦5058]
          وفيهِ: أَبُو مُوسَى، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (المُؤْمِنُ الَّذي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ...، الحديثَ، إِلَى قَوْلِهِ: وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ). [خ¦5059]
          قالَ المؤلِّفُ: قولُه صلعم: (يَقْرَؤُوْنَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ) يعني لا يرتفع إلى الله ولا يؤجرون عليه لعدم خُلُوص النِّيَّة بقراءته لله ╡ ولذلك شبَّه صلعم قراءة المنافق لما كانت رياءً وسمعةً بطعم الرَّيحانة المرِّ الَّذي لا يلتذُّ به آكلُه، كما لا يلتذُّ المُنافق والمُرائي بأجر قراءتِه وثوابِها.
          وقالَ حُذَيْفَةُ: أقرأ النَّاس بالقرآن منافقٌ يقرؤُه، لا يترك منه أَلِفًا ولا واوًا، لا يجاوز ترقوتَه، وقال ابنُ مَسْعُودٍ: أعربوا القرآن، فإنَّه(3) عربيٌّ فسيأتي قومٌ يَتَقَفَّونَهُ ليسوا بخياركم.
          وروى أبو عُبَيْدٍ مِن حديث أبي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ عَنِ النَّبيِّ صلعم قال: ((تَعَلَّمُوا القُرْآنَ وَاسْأَلُوا اللهَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ قَوْمٌ يَسْأَلُوْنَ بِهِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ القُرْآنَ يَتَعَلَّمَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ: رَجُلٌ يُبَاهِي بِهِ، وَرَجُلٌ يَسْتَأْكِلُ(4) بِهِ النَّاسَ، وَرَجُلٌ يَقْرَأُ للهِ)).
          وذُكِرَ أيضًا عن زَادَانَ قالَ: مَنْ قرأَ القرآنَ ليستأكلَ بِهِ النَّاس، جاءَ يومَ القيامةِ ووَجْهُهُ عَظْمٌ ليس عليهِ لَحْمٌ.
          وقالَ ابنُ مَسْعُودٍ: سَيَجِيء على النَّاس زمانٌ يُسْأَلُ فيه بالقرآن، فإذا سألوكم فلا تعطوهم.
          وقولُه: (يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ) فالنَّصْلُ حديدةُ السَّهْمِ. والقِدْحُ عُوْدُهُ، والفُوْقُ منه موضع الوَتَرِ وجمعه أَفْوَاقٌ وفُوَقٌ وفُقًا.


[1] في (ت): ((حدث)).
[2] زاد في (ص): ((في)).
[3] زاد في (ص): ((يأتي)).
[4] في (ص): ((سيأكل)).