شرح الجامع الصحيح لابن بطال

فضل سورة الفتح

          ░12▒ بَابُ: فَضْلِ سُورَةِ الفَتْحِ.
          فيهِ: عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ (أنَّهُ كَانَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عن شَيءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثَلَاثًا، فَقَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ عُمَرُ(1)، نَزَرْتَ رَسُولَ اللهِ صلعم ثَلاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ، قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي حَتَّى كُنْتُ أَمَامَ النَّاسِ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فيَّ قُرْآنٌ، فَجِئْتُ النَّبيَّ صلعم، فَقَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَليَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}[الفتح:1]. [خ¦5012]
          قال الطَّبَرِيُّ: فإن قال قائلٌ: ما معنى قولِه صلعم: (لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ)؟ أكان النَّبيُّ صلعم يحبُّ الدُّنيا الحبَّ الَّذي يقارب حبَّه ما أخبره الله به أنَّه أعطاه مِن الكرامة، وشرَّفه به مِن الفضيلة بقولِه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِيْنًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ(2)}[الفتح:1-2]الآيةَ، وقد علمت أنَّ المخبر إنَّما أراد المبالغة في الخبر عن رفعة قدر النَّبيِّ(3) عنده على غيرِه أنَّه يجمع بين رفيعين مِن الأشياء عنده، وعند(4) المخبرين به فيخبرهم عن فضل مكان أحدهما على الآخر عنده، وقد علمت أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يكن للدُّنيا عنده مِن القدر ما يعدل أدنى كرامةٍ أكرمَه الله تعالى(5) بها فما وجه قولِه: (هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنيَا) مع خساسة قدر(6) الدُّنيا عنده وضَعَةِ منزلتِها.
          قيل: لذلك وجهان أحدهما: أن يكون معنى قولِه: (هِيَ أَحَبُّ إليَّ ممَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) هي أحبُّ إليَّ مِن كلِّ شيءٍ؛ لأنَّه لا شيءَ إلَّا الدُّنيا والآخرة، فأخرج الخبر عن ذكر الشَّيءِ بذكر الدُّنيا، إذ كان(7) لا شيءَ سواها إلَّا الآخرة. والوجه الثَّاني: أن يكون خاطب أصحابَه بذلك على ما قد جرى مِن استعمال النَّاس بينهم في مخاطبتهم مِن قولِهم إذا أراد أحدُهم الخبر عن نهاية محبَّتِه للشَّيء: هو أحبُّ إليَّ مِن الدُّنيا، وما أعدل به مِن الدُّنيا شيئًا، كما قال تعالى: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ}[العلق:15]، ومعنى ذلك: لنُهيْنَنَّهُ ولنُذِلَّنَّهُ؛ لأنَّ الَّذين خوطبوا هذا الخطاب كان في إذلالهم مَن أرادوا إذلاله السَّفع بالنَّاصية، فخاطبَهم بالَّذي كانوا يتعارفون بينَهم، ومثله قوله صلعم: (هِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتِ عَلَيهِ الشَّمْسُ).


[1] قوله: ((عمر)) ليس في (ت) و(ص).
[2] قوله: ((لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)) ليس في (ت) و(ص).
[3] في (ز) و(ت): ((الشيء)) والمثبت من (ص).
[4] في المطبوع: ((وعن)).
[5] قوله: ((لم يكن للدُّنيا عنده من القدر ما يعدك أدنى كرامة أكرمه الله تعالى)) ليس في (ت) و(ص).
[6] قوله: ((قدر)) ليس في (ت).
[7] في قوله: ((كان)) زيادة من (ت) و (ص)