شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من أحب أن يسمع القرآن من غيره

          ░32▒ بَابُ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ القُرْآنَ مِنْ غَيْرِهِ.
          فيهِ: عَبْدُ اللهِ، قَالَ لِي النَّبيُّ صلعم: (اقْرَأْ عَلَيَّ القُرْآنَ، قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ فَقَالَ(1): إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي). [خ¦5049]
          معنى استماعِه القرآن مِن غيره والله أعلم ليكون عرض القرآن سُنَّةً، ويحتمل أن يكون لكي(2) يتدبَّرَه ويتَفَهَّمَه(3)، وذلك أن المستمع أقوى على التَّدبُّر، ونفْسُه أخلى وأنشط لذلك(4) مِن نَفْس القارئ، لأنَّه في شغلٍ بالقراءة وأحكامِها.
          فإن قيل: فقد يجوز أن يكون سماعُه صلعم للقرآن مِن غيرِه كما قلت، فما وجه قراءتِه صلعم القرآن على أُبَيٍّ، وقد ذكرَه البخاريُّ في فضائل الصَّحابة في فضائل أُبَيٍّ [خ¦3809]. قيل: يحتمل أن يكون وجه ذلك ليتلقَّنَه أُبَيٌّ مِن فِيْهِ صلعم، فلا يتخالجُه شكٌّ في اختلاف القراءات بعدَه، وذلك أنَّه خاف عليه الفتنة في هذا الباب؛ لأنَّه لا يجوز أن يكون أحدٌ أقرأ للقرآن مِن النَّبيِّ صلعم، ولا أوعى له(5) وأعلم به؛ لأنَّه(6) {نَزَلَ بِهِ الرُّوْحُ الأَمِيْنُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِيْنَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِيْنٍ}[الشعراء:193-195]قالَه الخَطَّابِيُّ، وقال أبو بَكْرِ بنِ الطَّيِّبِ نحوَه، قال: قرأ النَّبيُّ صلعم على أُبَيٍّ وهو أعلم بالقرآن منه وأحفظ؛ ليأخذ أُبَيٌّ نمط قراءتِه وسُنَّتِهِ ويحتذي حذوه. وقد رُوِيَ هذا التَّأويل عن أُبَيٍّ وابنِه.


[1] في (ت) و (ص): ((قال)).
[2] في المطبوع: ((كي)).
[3] في (ت) و (ص): ((ويفهمه)).
[4] في ت: ((ذلك)).
[5] زاد في ت: ((منه)).
[6] في (ص): ((وأنَّه)).