شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول المقري للقاري: حسبك

          ░33▒ بَابُ: قَوْلِ المُقْرِئِ لِلْقَارِئِ حَسْبُكَ.
          فيهِ: عَبْدُ اللهِ قَالَ لِي النَّبيُّ صلعم: (اقْرَأْ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إلى(1) هَذِهِ الآيَةِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيْدًا}[النساء:41]قَالَ: حَسْبُكَ الآنَ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ). [خ¦5050]
          قالَ المؤلِّفُ: في جواز قطع القراءة على القارئ إذا حَدَثَ على المقرئ عذرٌ أو شغلُ بالٍ؛ لأنَّ القراءة على نشاط المقرئ أولى ليتدبَّر معاني القرآن ويتفهَّم عجائبَه، ويحتمل أن يكون أمرَه صلعم بقطع القراءة تنبيهًا له على الموعظة والاعتبار في قولِه تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيْدٍ}[النساء:41]الآيةَ. ألا ترى أنَّه صلعم بكى عندها، وبكاؤُه إشارةٌ منه إلى معنى الوعظ لأنَّه مثَّل لنفسِه أهوال يوم القيامة وشدَّة الحال الدَّاعية له إلى شهادتِه لأمُّتِه بتصديقِه، والإيمان به وسؤاله الشَّفاعة لهم ليريحَهم مِن طول الموقف وأهوالِه، وهذا أمرٌ يحقُّ له طول البكاء والحزن.


[1] قوله: ((إلى)) ليس في (ت).