شرح الجامع الصحيح لابن بطال

كيف نزول الوحي وأول ما نزل

          ░1▒ بَابُ: كَيْفَ نَزَلَ الوَحْيُ وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: المُهَيْمِنُ الأَمِينُ، القُرْآنُ أَمِيْنٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ.
          فيهِ: عَائِشَةُ وابنُ عَبَّاسٍ: (لَبِثَ النَّبيُّ صلعم بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ القُرْآنُ وَبِالمَدِينَةِ عَشْرًا). [خ¦4978] [خ¦4979]
          وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: (أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبيَّ صلعم وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم لِأُمِّ سَلَمَةَ: مَنْ هَذَا؟ أَوْ كَمَا قَالَ، قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ، قَالَتْ(1): فَلَمَّا قَامَ، قَالَتْ: وَاللهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ النَّبيِّ ◙ بِخَبَرِ جِبْرِيلَ(2)، أَوْ كَمَا قَالَ). [خ¦4980]
          وفيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَا مِنَ الأنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيْتُهُ(3) وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ). [خ¦4981]
          وفيهِ: أَنَسٌ: (أَنَّ اللهَ تَابَعَ عَلَى رَسُولِهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ الوَحْيُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ صلعم بَعْدُ). [خ¦4982]
          وفيهِ: جُنْدَبٌ: (اشْتَكَى النَّبيُّ صلعم فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، مَا أُرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا قَدْ تَرَكَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ ╡: {وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}[الضُّحى:1-3]). [خ¦4983]
          قال المُؤَلِّفُ(4): معنى هذا الباب إثبات نُزُول الوحيِ على النَّبيِّ صلعم وأنَّ جِبْرِيْلَ ◙ نَزَلَ عليه به(5)، ومصداق هذه الأحاديث(6) في قولِه تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيْلُ رَبِّ العَالَمِيْنَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوْحُ الأَمِيْنُ عَلَى قَلْبِكَ}[الشُّعراء:192-194]. وقال أهل التَّفسير: الرُّوح الأمين جِبْرِيْلُ.
          وذكر أبو عُبَيْدٍ عن يَزِيْدِ بنِ هَارُوْنَ عن دَاوُدَ بنِ أبي هِنْدٍ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عبَّاسٍ قال: أُنزل القرآن جملةً واحدةً إلى السَّماء الدُّنيا في ليلة القدر، ثمَّ نَزَلَ بعد ذلك في عشرين سنةً، وقرأ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيْلًا}[الإسراء:106].
          قال(7) أبو عُبَيْدٍ: وحدَّثنا ابنُ أبي(8) عَدِيٍّ عن دَاوُدَ بن أبي هِنْدٍ قال: قلت للشَّعْبِيِّ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ القُرْآنُ}[البقرة:185]أما نزل عليه القرآن في سائر السَّنة إلَّا في شهر رَمَضَانَ؟ قال: بلى، ولكنَّ جِبْرِيْلَ كان يُعارض مُحَمَّدًا بما نزل عليه في سائر السَّنة في شهر رَمَضَانَ.
          وذكر أبو عُبَيْدٍ بإسنادِه عن جَابِرِ بنِ عبدِ اللهِ قالَ: أَوَّلُ شيءٍ نزل(9) مِن القرآن: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنذِرْ}[المدَّثِّر:1-2].
          وقال ابنُ عبَّاسٍ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}[العلق:1]هي أوَّل شيءٍ نزل على مُحَمَّدٍ صلعم. وهو قول مُجَاهِدٍ وزاد: {ن وَالقَلَمِ}[القلم:1].
          وأمَّا آخر القرآن نُزُولًا، فقال عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ: كانت {بَرَاءَةٌ}[التوبة:1]مِن آخر القرآن نُزُولًا، وقال البَرَاءُ: آخر آية(10) نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيْكُمْ فِي الكَلاَلَةِ}[النِّساء:176].
          وقال ابنُ عبَّاسٍ: آخر ما أُنزل(11) على رَسُولِ اللهِ صلعم آيةُ الرِّبا. وقال عَطَاءٌ وابنُ شِهَابٍ آخر القرآن عهدًا بالعرش آيةُ الرِّبا وآيةُ الدَّين: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُوْنَ فِيْهِ إِلَى اللّهِ}[البقرة:281].
          واختُلِفَ في مدَّة بقاء النَّبيِّ صلعم بمكَّة، فروى أبو سَلَمَةَ عن ابنِ عبَّاسٍ وعَائِشَةَ في هذا الباب: أنَّه صلعم أقام بمكَّة عشر سنين. وذكر البخاريُّ في كتاب مبعثِ النِّبيِّ صلعم في بابِ الهِجْرَةِ مِن رواية عِكْرِمَةَ وعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه صلعم أقام بمكَّة ثلاث عشرة سنةً يُوحى إليه [خ¦3851].
          ولم يُخْتَلَفْ في مدَّة بقائِه صلعم بالمدينة أنَّه كان عشرًا، وسيأتي في كتابِ الاعتصامِ الكلام في حديث أبي هريرةَ إن شاء الله تعالى [خ¦7274].


[1] قوله: ((قالت)) ليس في (ت).
[2] قوله: ((أَوْ كَمَا قَالَ... بِخَبرِ جِبْرِيلَ)) ليس في (ت).
[3] في (ت) و(ص): ((أوتيت)).
[4] قوله: ((قال المؤلِّفُ)) ليس في (ت) و(ص).
[5] في (ت) و(ص): ((نزل به عليه)).
[6] في (ص): ((هذا الحديث)).
[7] في (ص): ((وقال)).
[8] قوله: ((أبي)) ليس في (ص).
[9] قوله: ((نزل)) زيادة من (ت) و (ص).
[10] قوله: ((آية)) زيادة من (ت) و (ص).
[11] في (ت) و(ص): ((نزل)).