شرح الجامع الصحيح لابن بطال

فضل: {قل هو الله أحد}

          ░13▒ بَابُ: فَضْلِ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1].
          فيهِ: أَبُو سَعِيْدٍ: (أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1]يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى النَّبيِّ صلعم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ). [خ¦5013]
          وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ في حديثِهِ مَرَّةً: (إِنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ في لَيْلَةٍ؟ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ(1) الصَّمَدُ ثُلُثُ القُرْآنِ). [خ¦5015] /
          اختلف العلماء في معنى قولِه: (إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ) فقال أبو الحَسَنِ بنُ القَابِسِيُّ ☼: لعلَّ الرَّجُل الَّذي بات يُرَدِّدُ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1]كانت منتهى حفظِه، فجاء يقلِّل عملَه، فقال له النَّبيُّ صلعم: (إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ) ترغيبًا له في عمل الخير وإن قلَّ، ولله تعالى أن يُجازي عبدًا على يسيرٍ بأفضل ممَّا يُجازي آخر على كثيرٍ. وقال غيرُه: معنى قولِه: (تَعْدِلُ(2) ثُلُثَ القُرْآنِ) أنَّ الله تعالى جعل القرآن ثلاثة أجزاءٍ: أحدها: القصَصُ والعِبَرُ والأمثالُ، والثَّاني: الأمر والنَّهي والثَّواب والعقاب، والثَّالث: التَّوحيد والإخلاص، وتضمَّنت هذه السُّورة صفة توحيده تعالى وتنزيهه عن الصَّاحبة والوالد(3) والولد، فجعل لقارئِها مِن الثَّواب كثواب مَن قرأ ثُلُثَ القرآن.
          واحتجُّوا بحديث أبي الدَّرْدَاءِ أنَّ النَّبيَّ صلعم قال لأصحابِه: أيعجزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يقرأَ كلَّ ليلةٍ ثُلُثَ القرآنِ؟ قالُوا: نحنُ أعجزُ. قال: إنَّ اللهَ جَزَّأَ القرآنَ فجعلَ {قُلْ(4) هُوَ اللهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1]جزءًا مِنْ أجزاءِ القرآنِ.
          قال المُهَلَّبُ: وحكاه عن الأَصِيْلِيِّ، وهو مذهب الأَشْعَرِيِّ وأبي بَكْرِ بنِ الطَّيِّبِ وابنِ أبي زَيْدٍ والدَّاوُدِيِّ وابنِ القَابِسِيِّ وجماعةٍ علماء السُّنَّة: أنَّ القرآن لا يفضل بعضُه على بعضٍ إِذْ كلُّه كلام الله تعالى وصفتُه، وهو غير مخلوقٍ، ولا يجوز التَّفاضل إلَّا في المخلوقات، لأنَّ المفضول ناقصٌ عن درجة الفاضل وصفات الله تعالى لا نقص فيها، ولذلك لم يجزْ فيها التَّفاضل(5) وقد قال إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ: سألت إِسْحَاقَ بنَ راهويه عن هذا الحديث فقال لي: معناه: أنَّ اللهَ تعالى جعل لكلامِه فضلًا على سائر الكلام، ثمَّ فضَّل بعض كلامِه على بعضٍ بأن جعل لبعضِه ثوابًا أضعاف ما جعل لبعضٍ تحريضًا منه ◙ على تعليمِه وكثرة قراءتِه، وليس معناه: أنَّه لو قرأ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ثلاث مرَّاتٍ كان كأنَّه قرأ القرآن كلَّه، ولو قرأها أكثر مِن مائتي مرَّةٍ.


[1] في (ت) و (ص): ((قال: الله الواحد الصمد)).
[2] في (ت): ((إنها لتعدل)) وفي (ص): ((إنها تعدل)).
[3] قوله: ((والوالد)) ليس في (ت) و(ص).
[4] قوله: ((قل)) ليس في (ت).
[5] قوله: ((وصفات الله تعالى لا نقص فيها، ولذلك لم يجزْ فيها التَّفاضل)) ليس في (ت) و(ص).