شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب اغتباط صاحب القرآن

          ░20▒ بَابُ: اغْتِبَاطِ صَاحِبِ القُرْآنِ.
          فيهِ: ابنُ عُمَرَ سَمِعْتُ النَّبيِّ صلعم قَالَ: (لَا حَسَدَ إِلَّا على اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الكِتَابَ، وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللهُ مَالًا، فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ). [خ¦5025]
          وفيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَا حَسَدَ إِلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ القُرْآنَ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ، فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيْتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَهُوَ يُهْلِكُهُ في الحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيْتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ). [خ¦5026]
          قال المؤلِّفُ: ذكر أبو عُبَيْدٍ بإسناده عن عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ قال: مَنْ جمعَ القرآنَ فقَدْ حملَ أمرًا عظيمًا، وقد استدرجت النُّبُوَّةُ بين جنبيه إلَّا أنَّه لا يُوحى إليه، فلا ينبغي لصاحب القرآن أن يرفث فيمَن يرفث ولا يجهل فيمَن يجهل، وفي جوفِه كلام الله.
          وقال سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: مَن أُعْطِيَ القرآن فمدَّ عينيه إلى شيءٍ ممَّا صغر القرآن فقد خالف القرآن، ألم يسمع قولَه ╡: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآنَ العَظِيمَ. لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ(1)}[الحجر:87-88]قال: يعني القرآن، وقولُه ╡: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(2)}[السجدة:16]قال: هو القرآن.
          قال أبو عُبَيْدٍ: ومِن ذلك قول النَّبيِّ صلعم: ((مَا أَنْفَقَ عَبْدٌ مِنْ نَفَقَةٍ أَفْضَلَ مِنْ نَفَقَةٍ في قَوْلٍ)) ومنه قول شُرَيْحٍ لرَجُلٍ سمعَه يتكلَّم فقال له: أَمْسِكْ عليكَ نفقتَكَ. وفي حديث ابنِ عُمَرَ وأبي هريرةَ أنَّ حاملَ القرآنِ ينبغي له القيام به آناء اللَّيل والنَّهار، ومَن فعل ذلك فهو الَّذي يُحسد على فعلِه فيه، وكذلك مَن آتاه الله مالًا وتصدَّق به آناء اللَّيل والنَّهار، فهو المحسود عليه، ومَن لم يتصدَّق به وشح عليه(3) فلا ينبغي حسدُه عليه لما يجتني مِن سوء عاقبتِه وحسابه عليه.


[1] في (ت) و (ص): ((الآية)) بدل قوله: ((لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ)).
[2] في (ت) و (ص): ((الآية)) بدل قوله: ((وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)).
[3] قوله: ((عليه)) ليس في (ت) و(ص).