شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: في كم يقرأ القرآن وقول الله تعالى {فاقرءوا ما تيسر منه}

          ░34▒ بَابُ: في كَمْ يُقْرَأُ القُرْآنُ. وَقَوْلِهِ ╡(1): {فَاقرؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}[المزمل:20].
          فيهِ: سُفْيَانُ، قَالَ لِي(2) ابنُ شُبْرُمَةَ: نَظَرْتُ كَمْ يَكْفِي الرَّجُلَ مِنَ القُرْآنِ؟ فَلَمْ أَجِدْ سُورَةً أَقَلَّ مِنْ ثَلاثِ آيَاتٍ، فَقُلْتُ: لَا يَنْبَغِي لأحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ أَقَلَّ مِنْ ثَلاثِ آيَاتٍ.
          وفيهِ: ابنُ مَسْعُودٍ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ). [خ¦5051]
          وفيهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، قَالَ: (أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ، فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا، فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ ذَلِكَ(3) ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلعم، فَقَالَ: الْقَنِي بِهِ، فَلَقِيْتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ؟ قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: وَكَيْفَ تَخْتِمُ؟ قَالَ: كُلَّ لَيْلَةٍ، قَالَ: صُمْ من كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةً، وَاقْرَأِ القُرْآنَ في كُلِّ شَهْرٍ، قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ، قَالَ: اقْرَأْ في كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً، فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللهِ صلعم...) الحديثَ. [خ¦5052]
          قال البخاريُّ: /
          قال بعضُهم: في ثلاثٍ أو في خمسٍ أو في سبعٍ وأكثرُهم على سبعٍ، وقال النَّبيُّ صلعم(4) لعبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: اقرأه في سبعٍ ولا تَزِدْ على ذلك.
          قالَ المؤلِّفُ: ذكر أهل التفسير في تأويل قولِه تعالى: {فَاقرؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}[المزمل:20]، قالوا: ثلاث آياتٍ فصاعدًا. ويُقال: أقصر سورة في القرآن كما قال ابنُ شُبْرُمَةَ.
          قولُه صلعم: (مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ كَفَتَاهُ) نصٌّ في أنَّ قارئ الآيتين داخلٌ في معنى قولِه: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}[المزمل:20]وفي حديث عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبيَّ صلعم أمرَه أن يقرأه في سبع ليالٍ، وكان جماعةٌ مِن السَّلف يأخذون بهذا الحديث. رُوِيَ ذلك عن عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ وابنِ مَسْعُودٍ وتَمِيْمٍ الدَّارِيِّ وعن إبراهيمَ النَّخَعِيِّ مثلُه. وذكر أبو عُبَيْدٍ عن زَيْدِ بنِ ثابتٍ أنَّه سُئِلَ عن قراءة القرآن في سبعٍ فقال: حَسَنٌ، ولأن أقرأه في عشرين أو في النِّصف أحبُّ إليَّ مِن أن أقرأه في سبعٍ، وسَلْني لم ذلك؟ أردِّده وأقف عليه، وكان أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ يختمُه في ثمانٍ، وكان الأَسْوَدُ يختم القرآن في ستٍ، وكان عَلْقَمَةُ يختمه في خمسٍ، وروى الطَّيِّبُ بنُ سُلَيْمَانَ عن عَمْرَةَ عن عائشةَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كان لا يختم القرآن في أقلِّ مِن ثلاثٍ. وعن قَتَادَةَ عن يَزِيدَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ عن عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو قالَ: قالَ النَّبي صلعم(5): ((لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَهُ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثٍ)).
          ورُوِيَ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ: وكانت طائفةٌ تقرأ القرآن كلَّه في ليلةٍ أو ركعةٍ. رُوِيَ ذلك عن عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ وتَمِيْمٍ الدَّارِيِّ، وعن عَلْقَمَةَ وسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ أنَّهما قرآ القرآن في ليلةٍ بمكَّة، وكان ثابتٌ البُنَانِيِّ يختم القرآن في كلِّ يومٍ وليلةٍ من شهر رمضان، وكان سُلَيْم يختم القرآن في ليلةٍ ثلاث مَرَّاتٍ، ذكر ذلك كلَّه أبو عُبَيْدٍ(6) وقال: الَّذي أختار مِن ذلك ألَّا يقرأ القرآن في أقلِّ مِن ثلاثٍ، لما رُوِيَ عَنِ النَّبيِّ وأصحابه مِن الكراهة لذلك.


[1] في (ت) و(ص): ((وقوله تعالى)).
[2] قوله: ((لي)) ليس في (ص).
[3] في (ت) و(ص): ((عليه ذلك)).
[4] في (ت) و (ص): ((وقال ◙)).
[5] في (ت) و (ص): ((قال رسول الله)).
[6] في (ت): ((عبيدة)).