شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن

          ░15▒ بَابُ: نُزُولِ السَّكِينَةِ وَالمَلائِكَةِ عِنْدَ القِرَاءَةِ.
          فيهِ(1): مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ: (أَنَّ أُسَيْدَ بنَ حُضَيْرٍ، بَيْنَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ البَقَرَةِ وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ؛ إِذْ جَالَتِ الفَرَسُ، فَسَكَتَ(2) فَسَكَتَتْ، ثُمَّ قَرَأَ، فَجَالَتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ(3)، وَكَانَ ابنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا، فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبيَّ صلعم، فَقَالَ: اقْرَأْ يَا ابنَ حُضَيْرٍ، قَالَ: أَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ المَصَابِيحِ، فَخَرَجَتْ حَتَّى لَا أَرَاهَا، قَالَ: وَتَدْرِي مَا ذَاكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: تِلْكَ المَلائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ). [خ¦5018]
          في هذا(4) الحديث أنَّ أُسَيْدَ بنَ حُضَيْرٍ رأى مثل الظُّلة فيها أمثال المصابيح فقال النَّبيُّ صلعم: (تِلْكَ المَلَائِكَةُ تَنَزَّلَتْ لِلِقُرْآنِ) وقال ◙ في حديث البراءِ في سورةِ الكهفِ: (تِلْكَ السَّكِيْنَةُ تَنَزَّلَتْ(5) لِلِقُرْآنِ) فمرَّةً أخبر صلعم عن نُزُول السَّكينة، ومرَّةً أخرى عن نُزُول الملائكة، فدلَّ على أنَّ السَّكينة كانت في تلك الظُّلة وأنَّها تنزل أبدًا مع الملائكةِ، والله أعلم، ولذلك ترجم البخاريُّ باب نُزُولِ السَّكِيْنَةِ والملائكةِ عِنْدَ القِرَاءَةِ.
          وفي(6) هذا الحديث أنَّ الملائكةَ تحبُّ أن تسمع القرآن / مِن بني آدَمَ لا سيَّما قراءة المحسنين منهم، وكان أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ حسن الصَّوت بالقرآن(7)، ودلَّ قولُه صلعم لأُسَيْدٍ: (لَوْ قَرَأْتَ لَأصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ) على حرص الملائكةِ على سماعِ كتابَ اللهِ تعالى مِن بني آدَمَ. وقد جاء في الحديث أنَّ البيت الَّذي يُقرأ فيه القرآن يُضيء لأهل السَّماء كما يُضيء النَّجم لأهل الأرض وتحضرُه(8) الملائكة، وهذا كلُّه ترغيبٌ في حفظ القرآن، وقيام اللَّيل به، وتحسين قراءتِه.
          وفيه جواز رؤية بني آدَمَ للملائكة إذا تصوَّرت في صورةٍ يمكن للآدميين رؤيتُها، كما كان جِبْرِيْلُ صلعم يظهر للنَّبيِّ صلعم في صورة رَجُلٍ فيكلِّمه، وكثيرًا كان يأتيه في صورة دِحْيَةَ الكَلْبِيِّ، وقد تقدَّم في بابِ الكهفِ تفسير السَّكينة بما أغنى عن إعادتِه(9) [خ¦5011].
          وقولُه: (لَوْ قَرَأْتَ لَأصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ) حجَّةٌ لمَن قال: إنَّ السَّكينة روحٌ أو شيءٌ فيه روحٌ لأنَّه لا يصحُّ حبُّ استماع القرآن إلَّا لمَن يعقل.


[1] في (ت) و(ص): ((وفيه)).
[2] قوله: ((فسكت)) ليس في (ت).
[3] في (ز) و (ت): ((فجالت فانصرف)) والمثبت من (ص).
[4] في (ت): ((وهذا)).
[5] في (ص): ((نزلت)).
[6] في (ص): ((والملائكة والقراءة في)).
[7] قوله: ((من بني آدم لا سيما... حسن الصوت بالقرآن)) ليس في (ص).
[8] في (ت) و(ص): ((تحضره)).
[9] قوله: ((وقد تقدَّم في باب الكهف تفسير السَّكينة بما أغنى عن إعادته)) ليس في (ت) و(ص).