شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب كاتب النبي صلى الله عليه وسلم

          ░4▒ بَابُ ذِكْرِ كَاتِبِ النَّبيِّ صلعم.
          فيهِ: زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ(1) أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، قَالَ: إِنَّكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُوْلِ اللهِ صلعم فَاتَّبِعِ القُرْآنَ، فَتَتَبَّعْتُ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}[التَّوبة:128]. [خ¦4989]
          وفيهِ: البَرَاءُ، قَالَ: (لَمَّا نَزَلَتْ: {لَا يَسْتَوِي القَاعِدُوْنَ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ(2) وَالمُجَاهِدُوْنَ فِي سَبِيْلِ اللهِ}[النِّساء:95]قَالَ النَّبيُّ صلعم: ادْعُ لِي زَيْدًا، وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ أَوِ الكَتِفِ وَالدَّوَاةِ، ثُمَّ قَالَ اكْتُبْ: {لَا يَسْتَوِي القَاعِدُوْنَ} وَخَلْفَ ظَهْرِ النَّبيِّ صلعم عَمْرُو بنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى، قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَإِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ البَصَرِ؟ فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}). [خ¦4990]
          قال أبو بَكْرِ بنُ الطَّيَّبِ: فيهِ أنَّ النَّبيَّ صلعم سَنَّ(3) جمع القرآن وكتابتَه وأمر بذلك وأملاه على كتبتِه، وأنَّ أبا بَكْرٍ الصِّدِّيْقَ وعُمَرَ الفَارُوْقَ وزَيْدَ بنَ ثَابِتٍ ♥ وجماعةَ الأمَّة أصابوا في جمعِه وتحصينِه وإحرازِه، وجروا في كتابتِه على سَنَنِ الرَّسول صلعم وسُنَّتِهِ، وأنَّهم لم يُثبتوا منه شيئًا غير معروفٍ، وما لم تقم الحجَّة به.
          قال المُهَلَّبُ: وفيهِ أنَّ السُّنَّةَ للخليفة والإمام أن يتَّخذ كاتبًا يُقَيَّدُ له ما يحتاج إلى النَّظر فيه مِن أمور الرَّعيَّة، ويُعينُه على تنفيذ أحكام الشَّريعة، لأنَّ الخليفة يلزمُه مِن الفِكرة والنَّظر في أمور مَن استرعاه الله تعالى أمرَهم ما يشغلُه عن الكتاب وشبهِه مِن أنواع المهن، ألا ترى قول عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ☺: (لَوْلَا الخِلَافَةُ لَأَذَّنتُ) يُرِيْدُ أنَّ الخلافةَ حالةُ شغلٍ بأمور المسلمين عن الأذان وغيره لأنَّ هذا يوجد فيه مَن(4) يقوم مقام الخليفة وينوب عنه، ولا ينوب عنه أحدٌ في الإمامة، وقد احتجَّ(5) بقوله ╡: {لَا يَسْتَوِي القَاعِدُوْنَ مِنَ المُؤْمِنِينَ}[النَّساء:95]إلى آخر الآيةَ(6) مَن(7) قال: إنَّ الغنى أفضل مِن الفقر. وقال(8): ألا ترى قولَه تعالى: {فَضَّلَ(9) اللّهُ المُجَاهِدِيْنَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى القَاعِدِيْنَ(10) دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللّهُ الحُسْنَى}[النَّساء:95]ففضيلة الجهاد وبذل المال في إعلاء كلمة الله درجةٌ لا يبلغُها الفقير أبدًا. وقولُه تعالى: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ}[النِّساء:95]يدلُّ أنَّ أهل الأعذار لا حرج عليهم فيما لا سبيل لهم إلى فعلِه مِن الفرائض اللَّازمة للأصحَّاء القادرين، وفي هذا حجَّةٌ للفقهاء في قولِهم: إنَّه لا يجوز تكليف ما لا يُطاق، وهو قول جمهور الفقهاء.


[1] قوله: ((إلي)) ليس في (ص).
[2] زاد في (ص): (({غير أولي الضرر})).
[3] قوله: ((سَنَّ)) ليس في (ت) و(ص).
[4] في (ص): ((يوجد فيمن)).
[5] في (ص): ((استدلَّ)).
[6] في (ت) و (ص): ((لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر. الآية)).
[7] في (ت) و(ص): ((من)).
[8] في (ت) و (ص): ((قال)).
[9] في (ص): ((وفضل)).
[10] قوله: ((على القاعدين)) ليس في (ص).