شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه

          ░21▒ بَابُ: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ.
          فيهِ: عُثْمَانُ، عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ).
          وقَالَ(1) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَذَلِكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا. وَقَالَ مَرَّةً: (إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ(2)). [خ¦5027]
          وفيهِ: سَهْلُ بنُ سَعْدٍ: (أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبيَّ صلعم فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لِلَّهِ ╡ وَلِرَسُولِهِ... الحديثَ، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا... إلى قولِه: قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ). [خ¦5029]
          قال المؤلِّفُ: حديث عُثْمَانَ يدلُّ أنَّ قراءة القرآن أفضل أعمال البرِّ كلِّها، لأنَّه لمَّا كان مَن تعلَّم القرآن أو علَّمَه أفضل النَّاس وخيرَهم دلَّ ذلك على ما قلناه، لأنَّه إنَّما وجبت له الخيريَّة والفضل مِن أجل القرآن، وكان له فضل التَّعليم جاريًا ما دام كلُّ مَن علَّمَه تاليًا. وحديث سَهْلٍ إنَّما ذكرَه في هذا الباب لأنَّه زوَّجَه المرأة لحرمة القرآن.
          ومما رُوِيَ في فضل تعلُّم القرآن وحملِه ما ذكرَه أبو عُبَيْدٍ مِن حديث عُقْبَةَ بنِ عامرٍ / قالَ: خرجَ علينا رَسُولُ اللهِ صلعم ونحن في الصُّفَّةِ فقَالَ: ((أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوِ العَقِيْقِ فَيَأْخُذَ نَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ زَهْرَاوِيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطِيْعَةِ رَحِمٍ. قُلْنَا: كُلُّنَا يَا رَسُولَ اللهِ نُحِبُّ ذَلِكَ قَالَ: فَلَأَنْ يَغْدُو أَحَدُكُمْ كُلَّ يَوْمٍ(3) إِلَى المَسْجِدِ فَيَتَعَلَّمَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ خَيْرٌ لَهُ(4) مِنْ نَاقَتَيْنِ وَمِنْ ثَلَاثٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ)).
          وذُكِرَ عن كَعْبِ الأَحْبَارِ أنَّ في التَّوراةِ أنَّ الفتى إذا تَعَلَّمَ القرآنَ وهوَ حديثُ السِّنِّ وحرص عليه وعَمِلَ بِهِ(5) وتَابَعَهُ خَلَطَهُ اللهُ بلحمِهِ ودَمِهِ وكَتَبَهُ عندَهُ مِنَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وإذا تَعَلَّمَ الرَّجُلُ القرآنَ وقَدْ دَخَلَ في السِّنِّ وحَرَصَ عليهِ، وهوَ في ذلكَ يُتَابِعُهُ ويَنْفَلِتُ مِنْهُ كُتِبَ لَهُ أجرُهُ مَرَّتَيْنِ.
          ورُوِيَ عنِ الأَعْمَشِ قالَ: مرَّ أعرابيٌّ بعبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ وهو يُقْرِئُ قومًا القرآنَ فقالَ: ما يصنعُ هؤلاءِ؟ فقالَ ابنُ مَسْعُودٍ: يقتسمون ميراثَ مُحَمَّدٍ صلعم. وقالَ عبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو: عَلَيْكُمْ بالقرآنِ، فتَعَلَّمُوه وعَلِّمُوهُ أبنائَكُمْ، فإنَّكُمْ عنهُ تُسْأَلُونَ، وبِهِ تجزونَ، وكفى به واعظًا لِمَنْ عَقِلَ. وقال ابنُ مَسْعُودٍ: لَا يسألُ أحدٌ عنِ نفسِهِ غيرَ القرآنِ، فإن كان يحبُّ القرآنَ فإنَّه يُحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ. وعن أَنَسٍ عَنِ النَّبيِّ صلعم قالَ: (إِنَّ للهِ أَهْلِيْنَ مِنَ النَّاسِ، قيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ القُرْآنِ، أَهْلُ اللهِ تَبارَكَ وتَعَالى وَخَاصَّتُهُ).


[1] في (ت) و(ص): ((قال)).
[2] في (ت): ((أو علَّمه)).
[3] قوله: ((كلَّ يوم)) ليس في (ت) و(ص).
[4] قوله: ((خير له)) ليس في (ص).
[5] في (ت) و(ص): ((حديث السن وعمل به وحرص عليه)).