شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب استذكار القرآن وتعاهده

          ░23▒ بَابُ: اسْتِذْكَارِ القُرْآنِ وَتَعَاهُدِهِ.
          فيهِ: ابنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ القُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الإبِلِ المُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ). [خ¦5031]
          وفيهِ: ابنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبيِّ صلعم: (اسْتَذْكِرُوا القُرْآنَ، فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ مِنْ عُقُلِهَا) ورواه أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبيِّ(1) صلعم، وَقَالَ: (تَعَاهَدُوا القُرْآنَ). [خ¦5032]
          قال المؤلِّفُ: إنَّما شبَّه صلعم صاحبَ القرآنِ بصاحبِ الإبلِ المُعَقَّلَةِ إن عَاهَدَ / عليها أمسكَها، وأنَّه يتَفَصَّى مِن صدور الرِّجَال لقولِه تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}[المزمل:5]فوصفَه ╡ بالثِّقَلِ، ولولا ما أعان ╡ عبادَه على حفظِه ما حفظوه، فقال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}[القيامة:17]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر(2)}[القمر:17]فبتيسير الله تعالى وعونه لهم عليه بقي في صُدُورِهم، وهذان(3) الحديثان يُفَسِّرَانِ آيات التَّنزيل؛ فكأنَّه قال ╡: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}[القيامة:17]، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ}[القمر:17]إذا تُعُوهِد وقُرِئ أبدًا وتُذُكِّر.
          وقولُه: (أَشَدُّ تَفَصِّيًا) أي تَفَلُّتًا، قال صاحب «العين»: فَصَى اللَّحم عن العظم إذا انفسخ، والإنسان يتفصَّى مِن الشَّيء إذا تخلَّص منه، والاسم الفَصِيَّةُ.


[1] في (ص): ((الرسول)).
[2] قوله: ((فهل من مدَّكر)) ليس في (ت) و (ص).
[3] في (ت) و (ص): ((فهذان)).