شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: من أهدي له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق

          ░25▒ بَابُ مَنْ أُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةٌ وَعِنْدَهُ جُلَسَاؤُهُ فَهُوَ أَحَقُّ
          وَيُذْكَرُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جُلَسَاءَهُ شُرَكَاؤُهُ وَلَمْ يَصِحَّ.
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ: (أنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ لِلَّذِي جَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ: أَعْطُوهُ أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ) الحديثَ. [خ¦2609]
          وفيهِ ابنُ عُمَرَ: (أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبيِّ صلعم في سَفَرٍ، عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، وَكَانَ يَتَقَدَّمُ النَّبيَّ صلعم، فَقَالَ عُمَرُ(1): لَا يَتَقَدَّمُ النَّبيَّ صلعم أحَدٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلعم: بِعْنِيهِ، فقَالَ(2) عُمَرُ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللهِ، فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ). [خ¦2610]
          لو صحَّ قوله ◙: ((جُلَسَاؤُكُمْ شُرَكَاؤُكُمْ)) لكان معناه النَّدب عندَ العلماء(3) فيما خفَّ مِنَ الهدايا، وما جرت العادةُ / بترك المشَاحة(4) فيه، فأمَّا(5) ما كان له قيمةٌ مِنَ الهدايا(6) مثل: الدُّور والعقار، والمال الكثيرُ، فصاحبها أحقُّ(7) بها على ما تَرجم به(8) البخاريُّ، ألا ترى أنَّ النَّبيَّ صلعم أمر أن يُعطى الَّذي تقاضاه الجمل أفضل مِنْ(9) سِنِّه الَّتي كانت عليه، ولم يشاركه أحدٌ مِمَّن كانَ بحضرته في ذلك الفضل، وكذلك وهب ◙ الجمل لابن عُمَرَ وهو مع النَّاسِ، فلم يستحقَّ أحدٌ منهم فيه شركةٌ مع ابنِ عُمَرَ، فعلى(10) هذا مذهب الفقهاء.
          ورُوي عن أبي يُوسُفَ القاضي أنَّ الرَّشِيْدَ أُهْدِي إليه مالًا كثيرًا، فورد عليه وهو جالسٌ مع أصحابه، فقال له أحدهم: قال النَّبيُّ صلعم: ((جُلَسَاؤُكُمْ شُرَكَاؤُكُمْ))، فقال(11) له أبو يُوسُفَ: إنَّ هذا الحديث لم يرد في مثل هذا، وإنَّما ورد فيما خفَّ مِنَ الهدايا، وفيما يُؤكل ويُشرب مِمَّا تَطيب النُّفوس ببذله والسَّماحة به.


[1] في (ز): ((عمر)).
[2] في (ز): ((قال)).
[3] في (ز): ((الفقهاء)).
[4] قوله: ((بترك المشاحَّة)) ليس في (ص).
[5] في (ز): ((وأما)).
[6] قوله: ((ما كان له قيمة مِنَ الهدايا)) ليس في (ص).
[7] في (ز): ((أولى)).
[8] قوله: ((به)) ليس في (ص).
[9] في (ص): ((الَّذي تقاضى أكثر من)).
[10] في (ز): ((وعلى)).
[11] في (ص): ((قال)).