شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض

          ░8▒ بَابُ مَنْ يَهْدِي(1) إِلَى صَاحِبِهِ وَتَحَرَّى بَعْضَ نِسَائِهِ دُونَ بَعْضٍ(2)
          فيهِ عَائِشَةُ: (كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمِي، وَكَانَ نِسَاءُ النَّبِيِّ حِزْبَيْنِ: حِزْبٌ(3) فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ، وَالحِزْبُ الآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلعم وَكَانَ المُسْلِمُونَ(4) قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ اللهِ عَائِشَةَ(5)، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ أَخَّرَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ في بَيْتِ عَائِشَةَ، بَعَثَ صَاحِبُ / الهَدِيَّةِ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ إِلَى بَيْتِ عَائِشَةَ(6)، فَكَلَّمَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِي رَسَولَ اللهِ صلعم يُكَلِّمُ النَّاسَ يَقُولُ(7): مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم هَدِيَّةً فَلْيُهْدِهَا(8) إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ نِسَائِهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ(9)، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا(10)، فَسَأَلْنَهَا، قَالَتْ: مَا قَالَ لي شَيْئًا، فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِيهِ، فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دَارَ إِلَيْهَا أَيْضًا(11)، فَقَالَ(12) لَهَا: لَا تُؤْذِينِي في عَائِشَةَ، فَإِنَّ الوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا في ثَوْبِ امْرَأَةٍ إِلَّا عَائِشَةَ، قَالَتْ فَقُلْتُ(13): أَتُوبُ إِلَى اللهِ مِنْ ذَلِكَ(14) يَا رَسُولَ اللهِ(15)، ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، فَأَرْسَلَنَ إِلَى رَسُولِ اللهِ(16) تَقُولُ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ العَدْلَ في ابنةِ أبي بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، أَلَا تُحِبِّينَ مَا(17) أُحِبُّ؟ فقَالَتْ(18): بَلَى، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِنَّ فَأَخْبَرَتْهُنَّ، فَقُلْنَ لَهَا(19): ارْجِعِي إِلَيْهِ، فَأَبَتْ أَنْ تَرجِعَ(20)، فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ(21)، فَأَغْلَظَتْ، وَقَالَتْ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ العَدْلَ في بِنْتِ ابنِ أبي قُحَافَةَ، فرَفَعَتْ(22) صَوْتَها حتَّى تَنَاوَلَتْ عَائِشَةَ وَهِي قَاعِدَةٌ فَسَبَّتْهَا حَتَّى إِنَّ رَسُولَ اللهِ يَنْظُرُ إِلَى عَائِشَةَ(23) هَلْ تَكَلَّمُ قَالَ(24): فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ تَرُدُّ عَلَى زَيْنَبَ حَتَّى أَسْكَتَتْهَا، قَالَ(25): فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلعم إِلَى عَائِشَةَ، وَقَالَ: إِنَّهَا بنتُ(26) أبي بَكْرٍ). [خ¦2581]
          قال المُهَلَّبُ: في هذا الحديث مِنَ الفقهِ: أَنَّه ليس على الرَّجلِ حَرَجٌ في إيثار بعض نسائه بالتُّحف والطُّرف مِنَ المأكلِ، وإنَّما يلزُمه العدلُ في المبيت والمقام معهنَّ، وإقامة نفقاتهنَّ وما لا بدَّ منه مِنَ القوت والكسوة، وأمَّا غيرُ ذلك فلا، وفيه تحرِّي النَّاس بالهدايا أوقات المسرَّة ومواضعها مِنَ المهدى(27) إليه ليزيد بذلك في سروره.
          وفيهِ أنَّ الرَّجل يسعه السُّكوت بين نسائه إذا تناظرن، ولا يميل مع بعضهنَّ على بعضٍ، كما سكت النَّبيُّ صلعم حين تناظرت زينبُ وعائشةُ، ولكن قال آخر: (إنَّها بِنْتُ أَبي بَكْرٍ)، ففي هذا إشارةٌ إلى التَّفضيل بالشَّرف والفهم.


[1] في (ز): ((أهدى)).
[2] قوله: ((دون بعض)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((فيهِ عَائِشَةُ: كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمِي، وكانَ نِسَاءَ النَّبيِّ حِزْبَيْنِ: حِزْبٌ)) ليس في (ز).
[4] في (ز): ((النَّاس)).
[5] في (ز): ((النَّبيِّ صلعم لعِائِشةَ)).
[6] قوله: ((فَإِذَا كَانَ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إلى رَسُولِ اللهِ أَخَّرَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ في بَيْتِ عَائِشَةَ، بَعَثَ صَاحِبُ الْهَدِيَّةِ بِهَا إلى رَسُولِ اللهِ إلى بَيْتِ عَائِشَةَ)) ليس في (ز)، وفي (ز) بدلها: ((فيتحرُّون بهداياهم يوم عائشة)).
[7] قوله: ((يقول)) ليس في (ز).
[8] في (ز): ((إلى النَّبِيِّ صلعم فليهدِ)).
[9] في (ز): ((بذلك)).
[10] زاد في (ز): ((ثلاثًا)).
[11] قوله: ((فَسَأَلْنَهَا، قَالَتْ: مَا قَالَ لي شَيْئًا، فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِيهِ، فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دَارَ إِلَيْهَا أَيْضًا)) ليس في (ز)، وهو مثبت مِنَ المطبوع.
[12] في (ز): ((ثُمَّ قال)).
[13] في (ز): ((فقلت)).
[14] في (ز): ((أذاك)).
[15] قوله: ((يا رسولَ الله)) ليس في (ز).
[16] في (ز): ((ثُمَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ ابنةَ النَّبيِّ صلعم، وأَرْسَلْنَ إلى النَّبيِّ صلعم)).
[17] في (ز): ((من)).
[18] في (ز): ((قالت)).
[19] قوله: ((لها)) ليس في (ز).
[20] قوله: ((أنْ ترجع)) ليس في (ز).
[21] زاد في (ز): ((فأتته)).
[22] في (ز): ((ورفعت)).
[23] في (ز): ((صَوْتَهَا وسَبَّتْ عَائِشَةَ وَهي قَاعِدَةٌ، فنْظر النَّبِيُّ صلعم إلى عَائِشَةَ)).
[24] قوله: ((قال)) ليس في (ز).
[25] في المطبوع: ((فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ حَتَّى أَسْكَتَتْهَا قال))، وفي (ز): ((قالت)).
[26] في (ز): ((ابنة)).
[27] في المطبوع: ((المهداة)).